وَالصَّلَاةُ، وَالزَّكَاةُ، وَالصِّيَامُ، وَالْحَجُّ، وَالتَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِصَالِحِ الْأَعْمَالِ، وَالتَّزَلُّفُ إلَيْهِ بِمَا يَرُدُّ الْقَلْبَ وَالْجَارِحَةَ إلَيْهِ، وَالصِّدْقُ، وَالْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ، وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ، وَتَحْرِيمُ الْكُفْرِ، وَالْقَتْلِ، وَالزِّنَا، وَالْإِذَايَةِ لِلْخَلْقِ، كَيْفَمَا تَصَرَّفَتْ، وَالِاعْتِدَاءِ عَلَى
الْحَيَوَانِ كَيْفَمَا كَانَ، وَاقْتِحَامِ الدَّنَاءَاتِ، وَمَا يَعُودُ بِخَرْمِ الْمُرُوءَاتِ.
فَهَذَا كُلُّهُ شُرِعَ دِينًا وَاحِدًا وَمِلَّةً مُتَّحِدَةً لَمْ يَخْتَلِفْ عَلَى أَلْسِنَةِ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَعْدَادُهُمْ، وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: ﴿أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ [الشورى: ١٣] أَيْ اجْعَلُوهُ قَائِمًا، يُرِيدُ دَائِمًا مُسْتَمِرًّا، مَحْفُوظًا مُسْتَقِرًّا، مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ فِيهِ، وَلَا اضْطِرَابٍ عَلَيْهِ. فَمِنْ الْخَلْقِ مَنْ وَفَى بِذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَكَثَ بِهِ، وَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ.
وَاخْتَلَفَتْ الشَّرَائِعُ وَرَاءَ هَذَا فِي مَعَانٍ حَسْبَمَا أَرَادَهُ اللَّهُ، مِمَّا اقْتَضَتْهُ الْمَصْلَحَةُ، وَأَوْجَبَتْ الْحِكْمَةُ وَضْعَهُ فِي الْأَزْمِنَةِ عَلَى الْأُمَمِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْآيَة الثَّانِيَة قَوْله تَعَالَى مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ]
ِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى: ٢٠].
وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي سُورَةٍ سُبْحَانَ وَغَيْرِهَا بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ، وَقَوْلُهُ هَاهُنَا: ﴿وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ﴾ [الشورى: ٢٠] يُبْطِلُ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ: إنَّهُ مَنْ تَوَضَّأَ تَبَرُّدًا إنَّهُ يُجْزِئْهُ عَنْ فَرِيضَةِ الْوُضُوءِ الْمُوَظَّفَةِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ فَرِيضَةَ الْوُضُوءِ الْمُوَظَّفَةَ عَلَيْهِ مِنْ حَرْثِ الْآخِرَةِ، وَالتَّبَرُّدَ مِنْ حَرْثِ الدُّنْيَا؛ فَلَا يَدْخُلُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَلَا تُجْزِئُ نِيَّتُهُ عَنْهُ بِظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ؛ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ.


الصفحة التالية
Icon