بدعا من الأمر، أن نجد له فوق ذلك، أثرا في مصادر كثيرة ثَرَّة كمواهب الجليل لأبي عبد الله الحطاب (ت ٩٤٥ هـ) وكفاية المحتاج للتنبكتي (١٠٣٦ هـ) وأزهار الرياض لشهاب الدين المقري التلمساني (ت ١٠٤١ هـ) والحلل السندسية للوزير السراج الأندلسي (ت ١١٤٩ هـ) والإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام للعباس بن إبراهيم (ت ١٣٧٨ هـ) والفكر السامي لمحمد بن الحسن الحجوي الثعالبي (ت ١٣٧٦ هـ) وفهرس الفهارس لعبد الحي الكتاني (ت ١٣٨٨ هـ). ولا غرابة أن يهتبلَ العلماء به، فمن بعض ما احتجن بين دفتيه، مما تميز به الكتاب في مجال علم التفسير: الجمعُ بين ما يوهم التعارض في القرآن، وتوجيهُ الآيات المتشابهات في اللفظ، والكشفُ عن أسرار النظم القرآني وأسئلة القرآن، ومناقشةُ الفرق الكلامية المحادة الحائدة عن نهج السبيل، والعنايةُ بالمنطق وتطبيقاته على الآي، وتوظيفُ معطيات العلوم الطبيعية لخدمة التفسير، وتركيزُه على نقد تفاسيرَ طائرة الصيت، كأحكام ابن العربي ومحرر ابن عطية وكشاف الزمخشري ومفاتيح الفخر الرازي وبحر أبي حيان، ثم إنه - وحسبك به - أنموذج عن تفسير شيخ الإسلام ابن عرفة، وهو ممن لا تخفى إمامته ولا تدفع ريادته.
٤ - أنه واحد من المؤلفات الإفريقية في التفسير في القرن التاسع، التي سلمت من عوامل الحدثان، وهو أمر تنفِسُهُ عليه كتب للتفسير كثيرة لا نعرفها لوما رُسمتْ أسماؤها في كتب البرامج والفهارس والمعاجم.
٥ - كون هذا الكتاب نموذجا جديدا في حينه في طرائق التصنيف، وذلك أنه لم يجعل وكده تفسير القرآن كله، بقدر ما اهتبل بنكت التفسير ودقائقه وتوجيه مشكلاته، ومعنى هذا أنه لم يخض إلا في المواضع التي يستشكلها علماء التفسير؛ ومن ثم كان تفسيرا حي المباحث، مستقل الأنظار، متين المباني غزير الفوائد.
٦ - علو قيمته من حيث منهجه في التصريح بالموارد، فحفظ لنا بذلك نقولا كثيرة عن مصادر منها ما هو مفقود أو مخطوط.
٧ - أنه يمثل رافدا علميا تواشجت فيه صلات العلم بين أقطار المغرب العربي، فالتقت فيه على قدَر جهود ثلاثة علماء أفذاذ هم على الولاء: أبو عبد الله محمد بن عرفة التونسي وأبو العباس البسيلي التونسي وأبو عبد الله بن غازي المكناسي المغربي؛ ولعل ذلك ما رغبنى أن أكون بإخراج هذا الكتاب من هؤلاء الشُّداة النشأ الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل.


الصفحة التالية
Icon