لتشوفه إلى المعارف والأخبار، واقتناء الفضائل، فلما أتمه ابن خلدون رفع منه نسخة إلى الخزنة الأميرية، وشفع ذلك بقصيدة يقول فيها:

هَذَا أبُو العبَّاس خيرُ خليفةٍ شَهِدَتْ لهُ الشِّيَمُ التي لا تُجْهَل
إلى أن يقول:
وَإليكَ من سِيَر الزمانِ وأهلِه "عِبَرا" يَدِينُ بفضْلِهَا مَنْ يعدِل
صحُفا تُتَرْجِمُ عن أَحَاديث الأُليَ غَبَرُوا فتُجْمِلُ عنهمُ وتفصِّل
ثم قال:
أَهْدَيْتُ منه إلى عُلاَكَ جَواهِرا مكنونةً وكواكباً لا تَأفُلُ
وجعلتُهُ لِصِوَانِ مُلْكِكَ مَفْخَرا يَبْأى النَّدِيُّ به ويزهو المحفل
ويحس ابن خلدون، أنه قد ينازعه في مديحه مَن يسِمه -كابن عرفة- بالمبالغة وتزويق الخلان وإطراء المنتجع، فيؤكد على صفة الصدق فيما قاله، ويستظهر عليه بأن الأمير عالم كريم التحيتة، نافذ النظر:
وَلأنتَ أرْسَخُ في المعارف رُتْبَة مِنْ أن يُمِّوهَ عنده متطفِّل
والله ما أسرفْتُ فيما قلتُه شيئا ولا الإسرافُ مما يجمُل
ويلاحظ أن خلافةَ أبي العباس هذا أنفقها في تمهيد البلاد وقمع المخالفين، وتجهيز الحركات لاستتباب الأمن، ولو وافق رخاء وأمنا لكانت له في إنعاش العلوم الشرعية والأدبية اليد الطولى؛ ويؤيد هذا الظن قولُ ابن الشماع إنه "وجد نظام الملك بإفريقية قد اختل، والعرب قد ملكوا من الجبال الجل"، وفي أيامه نزل النصارى بالمهدية فأجلاهم.


الصفحة التالية
Icon