وقدَّم القانتين على الصادقين والصابرين؛ لأنّ الصادقَ هو الذي يصدُق في نيته وقوله وعمله، والصّابر الذي يصبر على فعل الطاعة وعن المعاصي، فحُصُولُ وصْف القنوت لهم مع الإسلام، سببٌ في اتِّصافهم بالصدق والصّبر، ورتبةُ المسبّب أن يكون بعد سببه. أو نقول: القنوت عبارة عن مطلق الطاعة؛ والصدق عبارة عن مطابقة الأمر، فيرجعُ لامتثال المأمورات؛ والصبر اجتناب المنهيات، لأنه منع النفس عن شهواتها، وكلُّها مُتَعَلَّقاتُ الطاعة، فَذَكَرَهَا بعدَها كالتفسير بعد الإجمال.
ثم قال (والْخَاشِعِينَ)، إشارةً إلى أن منْ حصلت له هذه الأوصاف، لا ينبغي له أن يثق بعمله، بل لا يزالُ خائفاً خاشعًا؛ لأن هؤلاء مع فعلِهم هذا كلِّه متَّصفون بالخوف والخشوع.
وأخَّر (المتصدقين) إمَّا لأن ما قبلَه أوصافٌ قاصرةٌ، وهو وصفٌ بطاعة متعدية للغير، وإمَّا لِما في حديثِ أولِ كتابِ الطهارة من "صحيح مسلم" من أن "الصدقة برهان"، فهي كالدليل على صحةِ ما تقدم من الطاعات، ورتبةُ