"المرادُ بِهَا إرادةُ الإِحسَانِ". وقال القَاضِى أبُو بكْرٍ البَاقِلاني: "المرادُِ بها نفْسُ الإِحْسَانِ"، فهيَ صِفَةُ فِعْلٍ، وعَلَى الأَوَّلِ صفةُ ذَاتٍ؛ وفي القرآن مواضِعُ يتَعَيّنُ فيها مَذْهَبُ الشَّيْخِ، ومواضعُ يتعَيَّنُ فيهَا مذْهَبُ القَاضِي، ومواضعُ تحتَمِلُ المذْهبَيْن:
- فالأَؤلُ: كقولِه تعَالى ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا﴾، فهذا ظاهِر في الإرادَةِ؛ لأن الوُسْعَ عبارة عنْ عُمُومِ التعلُّق، ويدُلُّ على ذلك أيضاً اقترانُها بالعِلْمِ، وأَنَّ وُسْعَ الرحمةِ كوُسْعِ العِلم. وهذا ظاهِر في الإِرَادةِ.
- وأمَّا مَا يَتَعَيَّنُ فيه مَذْهبُ القاضِى فقولُهُ تعَاَلى ﴿هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي﴾ إشارةً إلى السَّدِّ، وهُو إحسانٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى، لَا إِرَادَتُهُ القديمَةُ.
- وأمَّا مَا يحتمِلُ الأَمْرَيْنِ، فهَذَا الموضِعُ، والذِي في فاتِحَةِ الكِتَابِ.
وَمَذهبُ الشيخ أقربُ منْ مذهب القَاضي، لأَن الرَّحمةَ التي وُضِعَ اللفْظُ بإِزَائِها حقيقةً فيها هِيَ رقَّةُ الطبْعِ، ويلْزَمُهَا أمْرانِ: الأَوَّلُ إرادةُ