صَحَابِيٍّ كَبِيرٍ كَمَا ذَكَرَ سُفْيَانُ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ فِي حَقِّ سُفْيَانَ: مَا رَأَيْتُ أَعْلَمَ بِتَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ مِنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ رَأَى الشَّافِعِيَّ وَعَاصَرَهُ. وَتَأْوِيلٌ سَادِسٌ- وَهُوَ مَا جَاءَ مِنَ الزِّيَادَةِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:" مَا أَذِنَ اللَّهُ «١» لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ". قَالَ الطَّبَرَيُّ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ حَسَنِ الصَّوْتِ وَالْجَهْرِ بِهِ مَعْنًى. قُلْنَا قَوْلَهُ:" يَجْهَرُ بِهِ" لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ وَفِيهِ بُعْدٌ، فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ التَّطْرِيبِ وَالتَّرْجِيعِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: يُطَرِّبُ بِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ: يَجْهَرُ بِهِ: أَيْ يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيهِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلَّذِي سَمِعَهُ وَقَدْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّهْلِيلِ:" أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا «٢» عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لَسْتُمْ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا.... " الْحَدِيثَ، وَسَيَأْتِي. وكذلك إِنْ كَانَ مِنْ صَحَابِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى مَا رَامُوهُ، وَقَدِ اخْتَارَ هَذَا التَّأْوِيلَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا فَقَالَ: وَهَذَا أَشْبَهُ، لِأَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي كُلَّ مَنْ رَفْعَ صَوْتَهُ وَوَالَى بِهِ غَانِيًا، وَفِعْلَهُ ذَلِكَ غِنَاءً وَإِنْ لَمْ يُلَحِّنْهُ بِتَلْحِينِ الْغِنَاءِ. قَالَ: وَعَلَى هَذَا فسره الصحابي، وهو أعلم بالمقال وأقعد بالحال. وقد احتج أبو الحسن لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ: وَقَدْ رَفَعَ الْإِشْكَالَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ وغنوا به واكتبوه فو الذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا «٣» مِنَ الْمَخَاضِ من العقل". قال علمائنا: وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ صَحَّ سَنَدُهُ فَيَرُدُّهُ مَا يعلم على القطع والبتات من قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ بَلَغَتْنَا مُتَوَاتِرَةً عَنْ كَافَّةِ الْمَشَايِخِ، جِيلًا فَجِيلًا إِلَى الْعَصْرِ الْكَرِيمِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ فِيهَا تلحين
(٢). قوله:" اربعوا" أي كفوا وارفقوا.
(٣). التفصي: التقلب والخروج.