أيضا قوله سبحانه في اليهود:" وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ" [البقرة: ٦١ وآل عمران: ١١٢]. وقال:" «١» وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ" [الفتح: ٦] وَقَالَ فِي النَّصَارَى:" قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ «٢» " [المائدة: ٧٧]. وَقِيلَ:" الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ" الْمُشْرِكُونَ. وَ" الضَّالِّينَ" الْمُنَافِقُونَ. وَقِيلَ:" الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ" هُوَ مَنْ أَسْقَطَ فَرْضَ هَذِهِ السُّورَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَ" الضَّالِّينَ" عَنْ بَرَكَةِ قِرَاءَتِهَا. حَكَاهُ السُّلَمِيُّ فِي حَقَائِقِهِ وَالْمَاوَرْدِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا وَجْهٌ مَرْدُودٌ، لِأَنَّ مَا تَعَارَضَتْ فِيهِ الْأَخْبَارُ وَتَقَابَلَتْ فِيهِ الْآثَارُ وَانْتَشَرَ فِيهِ الْخِلَافُ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ هَذَا الْحُكْمُ. وَقِيلَ:" الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ" بِاتِّبَاعِ الْبِدَعِ، وَ" الضَّالِّينَ" عَنْ سُنَنِ الْهُدَى. قُلْتُ: وَهَذَا حَسَنٌ، وَتَفْسِيرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى وَأَعْلَى وَأَحْسَنُ. وَ" عَلَيْهِمْ" فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، لِأَنَّ الْمَعْنَى غَضِبَ عَلَيْهِمْ. وَالْغَضَبُ فِي اللُّغَةِ الشِّدَّةُ. وَرَجُلٌ غَضُوبٌ أَيْ شَدِيدُ الْخُلُقِ. وَالْغَضُوبُ: الْحَيَّةُ الْخَبِيثَةُ لِشِدَّتِهَا. وَالْغَضْبَةُ: الدَّرَقَةُ مِنْ جِلْدِ الْبَعِيرِ يُطْوَى بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِشِدَّتِهَا. وَمَعْنَى الْغَضَبُ فِي صِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى إِرَادَةُ الْعُقُوبَةِ، فَهُوَ صِفَةُ ذَاتٍ، وَإِرَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ، أَوْ نَفْسُ الْعُقُوبَةِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: (إِنَّ الصَّدَقَةَ لَتُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ) فَهُوَ صِفَةُ فِعْلٍ. الثَّالِثَةُ وَالثَّلَاثُونَ" وَلَا الضَّالِّينَ" الضَّلَالُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ هُوَ الذَّهَابُ عَنْ سَنَنِ الْقَصْدِ وَطَرِيقِ الْحَقِّ، وَمِنْهُ: ضَلَّ اللَّبَنُ فِي الْمَاءِ أي غاب. ومنه:" أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ" [السجدة: ١٠] أَيْ غِبْنَا بِالْمَوْتِ وَصِرْنَا تُرَابًا، قَالَ:
أَلَمْ تَسْأَلْ فَتُخْبِرَكَ الدِّيَارُ | عَنِ الْحَيِّ الْمُضَلَّلِ أَيْنَ سَارُوا |
أَوْ غَضْبَةٌ فِي هَضْبَةٍ مَا أَمْنَعَا
الرَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ قَرَأَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ" غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَغَيْرِ الضَّالِّينَ" وَرُوِيَ عَنْهُمَا فِي الرَّاءِ النَّصْبُ وَالْخَفْضُ فِي الْحَرْفَيْنِ، فَالْخَفْضُ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ" الَّذِينَ"
(٢). راجع ج ٦ ص ٢٥٢