الْقَوْلُ الثَّالِثُ: إِنَّ الْجُلُوسَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فَرْضٌ، وَلَيْسَ التَّشَهُّدُ وَلَا السَّلَامُ بِوَاجِبٍ فَرْضًا. قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْكُوفِيِّينَ. وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنِ الْإِفْرِيقِيِّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ فَأَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ). قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَكَانَ شَيْخُنَا فَخْرُ الْإِسْلَامِ يُنْشِدُنَا فِي الدَّرْسِ:
وَيَرَى الْخُرُوجَ مِنَ الصَّلَاةِ بِضَرْطَةٍ | أَيْنَ الضُّرَاطُ مِنَ السَّلَامِ عَلَيْكُمُ |
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَسَلَكَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَرْعَيْنِ ضَعِيفَيْنِ، أَمَّا أَحَدُهُمَا: فَرَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ مَنْ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ مُتَلَاعِبًا، فَخَرَجَ الْبَيَانُ أَنَّهُ إِنْ كَانَ عَلَى أَرْبَعٍ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الْعِرَاقِ بِعَيْنِهِ. وَأَمَّا الثَّانِي: فَوَقَعَ فِي الْكُتُبِ الْمَنْبُوذَةِ أَنَّ الامام إذا أحدث بعد التشهد متعمدا وقيل السَّلَامِ أَنَّهُ يُجْزِئُ مَنْ خَلْفَهُ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُلْتَفَتَ إِلَيْهِ فِي الْفَتْوَى، وَإِنْ عَمَرَتْ بِهِ الْمَجَالِسُ لِلذِّكْرَى. الْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنَّ الْجُلُوسَ فَرْضٌ وَالسَّلَامَ فَرْضٌ، وَلَيْسَ التَّشَهُّدُ بِوَاجِبٍ. وَمِمَّنْ قَالَ هَذَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَأَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي رِوَايَةٍ. وَاحْتَجُّوا بأن قالوا: ليس شي مِنَ الذِّكْرِ يَجِبُ إِلَّا تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَقِرَاءَةَ أُمِّ الْقُرْآنِ. الْقَوْلُ الْخَامِسُ: أَنَّ التَّشَهُّدَ وَالْجُلُوسَ وَاجِبَانِ، وَلَيْسَ السَّلَامُ بِوَاجِبٍ، قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَاحْتَجَّ إِسْحَاقُ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ حِينَ عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ وَقَالَ لَهُ: (إِذَا فَرَغْتَ مِنْ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ وَقَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ). قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: قَوْلُهُ (إِذَا فَرَغْتَ مِنْ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ) أَدْرَجَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ زُهَيْرٍ فِي الْحَدِيثِ، وَوَصَلَهُ بِكَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفَصَلَهُ شَبَابَةُ عَنْ زُهَيْرٍ وَجَعَلَهُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَوْلُهُ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ مِنْ قَوْلِ مَنْ أَدْرَجَهُ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَشَبَابَةُ ثِقَةٌ. وَقَدْ تَابَعَهُ غَسَّانُ بْنُ الرَّبِيعِ عَلَى ذَلِكَ، جَعَلَ آخِرَ الْحَدِيثِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَمْ يَرْفَعْهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.