بِمَنْ تَسْتَشْفِعُونَ). وَفِي التَّنْزِيلِ فِي وَصْفِ طَالُوتَ:" إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ «١» " [البقرة: ٢٤٧] فَبَدَأَ بِالْعِلْمِ ثُمَّ ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْقُوَّةِ وَسَلَامَةِ الْأَعْضَاءِ. وَقَوْلُهُ:" اصْطَفاهُ" مَعْنَاهُ اخْتَارَهُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى شَرْطِ النَّسَبِ. وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا مِنَ الزَّلَلِ وَالْخَطَأِ، وَلَا عَالِمًا بِالْغَيْبِ، وَلَا أَفَرَسَ الْأُمَّةِ وَلَا أَشْجَعَهُمْ، وَلَا أَنْ يَكُونَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَقَطْ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ قُرَيْشٍ، فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ قد انعقد على إمامة أبي بكر وَعُثْمَانَ وَلَيْسُوا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ. الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: يَجُوزُ نَصْبُ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْفَاضِلِ خَوْفَ الْفِتْنَةِ وَأَلَّا يَسْتَقِيمَ أَمْرُ الْأُمَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِمَامَ إِنَّمَا نُصِبَ لِدَفْعِ الْعَدُوِّ وَحِمَايَةِ الْبَيْضَةِ وَسَدِّ الْخَلَلِ وَاسْتِخْرَاجِ الْحُقُوقِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ وَجِبَايَةِ الْأَمْوَالِ لِبَيْتِ الْمَالِ وَقِسْمَتِهَا عَلَى أَهْلِهَا. فَإِذَا خِيفَ بِإِقَامَةِ الْأَفْضَلِ الْهَرَجُ وَالْفَسَادُ وَتَعْطِيلُ الْأُمُورِ الَّتِي لِأَجْلِهَا يُنَصَّبُ الْإِمَامُ كَانَ ذَلِكَ عُذْرًا ظَاهِرًا فِي الْعُدُولِ عَنِ الْفَاضِلِ إِلَى الْمَفْضُولِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا عِلْمُ عُمَرَ وَسَائِرِ الْأُمَّةِ وَقْتَ الشُّورَى بِأَنَّ السِّتَّةَ فِيهِمْ فَاضِلٌ وَمَفْضُولٌ، وَقَدْ أَجَازَ الْعَقْدَ لِكُلٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِذَا أَدَّى الْمَصْلَحَةَ إِلَى ذَلِكَ وَاجْتَمَعَتْ كَلِمَتُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إِنْكَارِ أَحَدٍ عَلَيْهِمْ، وَاللَّهُ أعلم. الثالثة عشر: الْإِمَامُ إِذَا نُصِّبَ ثُمَّ فَسَقَ بَعْدَ انْبِرَامِ الْعَقْدِ فَقَالَ الْجُمْهُورُ: إِنَّهُ تَنْفَسِخُ إِمَامَتُهُ وَيُخْلَعُ بِالْفِسْقِ الظَّاهِرِ الْمَعْلُومِ، لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْإِمَامَ إِنَّمَا يُقَامُ لِإِقَامَةِ الْحُدُودِ وَاسْتِيفَاءِ الْحُقُوقِ وَحِفْظِ أَمْوَالِ الْأَيْتَامِ وَالْمَجَانِينِ وَالنَّظَرِ فِي أُمُورِهِمْ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَمَا فِيهِ مِنَ الْفِسْقِ يُقْعِدُهُ عَنِ الْقِيَامِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ وَالنُّهُوضِ بِهَا. فَلَوْ جَوَّزْنَا أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا أَدَّى إِلَى إِبْطَالِ مَا أُقِيمَ لِأَجْلِهِ، أَلَا تَرَى فِي الِابْتِدَاءِ إِنَّمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْقَدَ لِلْفَاسِقِ لِأَجْلِ أَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى إِبْطَالِ مَا أُقِيمَ لَهُ، وَكَذَلِكَ هَذَا مِثْلُهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يَنْخَلِعُ إِلَّا بِالْكُفْرِ أَوْ بِتَرْكِ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ أَوِ التَّرْكِ إِلَى دُعَائِهَا أو شي مِنَ الشَّرِيعَةِ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ: (وَأَلَّا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ [قَالَ «٢»] إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فيه برهان).

(١). راجع ج ٣ ص ٢٤٦.
(٢). الزيادة عن صحيح مسلم (ج ٦ ص ١٧) طبع الآستانة. و (بواحا) أي جهارا، من باح بالشيء يبوح به إذا أعلته.


الصفحة التالية
Icon