أَيْ صَارَتْ. وَقَالَ ابْنُ فَوْرَكٍ." كَانَ" هُنَا بِمَعْنَى صَارَ خَطَأٌ تَرُدُّهُ الْأُصُولُ. وَقَالَ جُمْهُورُ الْمُتَأَوِّلِينَ: الْمَعْنَى أَيْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ سَيَكْفُرُ، لِأَنَّ الْكَافِرَ حَقِيقَةً وَالْمُؤْمِنَ حَقِيقَةً هُوَ الَّذِي قَدْ عَلِمَ اللَّهُ مِنْهُ الْمُوَافَاةَ. قُلْتُ: وَهَذَا صَحِيحٌ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: (وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ). وَقِيلَ: إِنَّ إِبْلِيسَ عَبَدَ اللَّهَ تَعَالَى ثَمَانِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَأُعْطِيَ الرِّيَاسَةَ وَالْخِزَانَةَ فِي الْجَنَّةِ عَلَى الِاسْتِدْرَاجِ، كَمَا أُعْطِيَ الْمُنَافِقُونَ شَهَادَةً أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ عَلَى أَطْرَافِ أَلْسِنَتِهِمْ، وَكَمَا أُعْطِيَ بَلْعَامُ «١» الِاسْمَ الْأَعْظَمَ عَلَى طرف لسانه، فكان في رئاسته وَالْكِبْرُ فِي نَفْسِهِ مُتَمَكِّنٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ يَرَى لِنَفْسِهِ أَنَّ لَهُ فَضِيلَةً عَلَى الملائكة بما عنده، فلذلك قال: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:" مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ «٢» " [ص: ٧٥] أَيِ اسْتَكْبَرْتَ وَلَا كِبْرَ لَكَ، وَلَمْ أَتَكَبَّرْ أَنَا حِينَ خَلَقْتُهُ بِيَدَيَّ وَالْكِبْرُ لِي! فَلِذَلِكَ قال:" وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ". [ص: ٧٤]. وَكَانَ أَصْلُ خِلْقَتِهِ مِنْ نَارِ الْعِزَّةِ، وَلِذَلِكَ حلف بالعزة فقال:" فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ" [ص: ٨٢] فَالْعِزَّةُ أَوْرَثَتْهُ الْكِبْرَ حَتَّى رَأَى الْفَضْلَ لَهُ عَلَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورِ الْعِزَّةِ وَخُلِقَ إِبْلِيسُ مِنْ نَارِ الْعِزَّةِ. التَّاسِعَةُ- قَالَ عُلَمَاؤُنَا- رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ-: وَمَنْ أَظْهَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيْهِ مِمَّنْ لَيْسَ بِنَبِيٍّ كَرَامَاتٍ وَخَوَارِقَ لِلْعَادَاتِ فَلَيْسَ ذَلِكَ دَالًّا عَلَى وِلَايَتِهِ، خِلَافًا لِبَعْضِ الصُّوفِيَّةِ وَالرَّافِضَةِ حَيْثُ قَالُوا: إِنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَلِيٌّ، إِذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ وَلِيًّا مَا أَظْهَرَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ مَا أَظْهَرَ. وَدَلِيلُنَا أَنَّ الْعِلْمَ بِأَنَّ الْوَاحِدَ مِنَّا وَلِيٌّ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَصِحُّ إِلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ يَمُوتُ مُؤْمِنًا، وَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ يَمُوتُ مُؤْمِنًا لَمْ يُمْكِنَّا أَنْ نَقْطَعَ عَلَى أَنَّهُ وَلِيٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ الْوَلِيَّ لِلَّهِ تَعَالَى مَنْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُوَافِي إِلَّا بِالْإِيمَانِ. وَلَمَّا اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّنَا لَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَقْطَعَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ يُوَافِي بِالْإِيمَانِ، وَلَا الرَّجُلُ نَفْسُهُ يَقْطَعُ عَلَى أَنَّهُ يُوَافِي بِالْإِيمَانِ، عُلِمَ أن ذلك ليس
(٢). راجع ج ١٥ ص ٢٢٨