قُلْتُ: فَعَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ- فَالزَّكَاةُ فِي الْكِتَابِ مُجْمَلَةٌ بَيَّنَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَوَى الْأَئِمَّةُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَيْسَ فِي حَبٍّ وَلَا تَمْرٍ صدقة حتى يبلغ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ «١» وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ «٢» صَدَقَةٌ وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ) وَقَالَ الْبُخَارِيُّ (خَمْسُ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ) وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا «٣» الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ «٤» نِصْفُ الْعَشْرِ) وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذَا الْبَابِ فِي" الْأَنْعَامِ" «٥» إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَيَأْتِي فِي" بَرَاءَةٌ" زَكَاةُ الْعَيْنِ وَالْمَاشِيَةِ وَبَيَانُ الْمَالِ الَّذِي لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ زَكَاةٌ عِنْدَ قَوْلِهِ تعالى" خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً" «٦» [التوبة: ١٠٣] وَأَمَّا زَكَاةُ الْفِطْرِ فَلَيْسَ لَهَا فِي الْكِتَابِ نَصٌّ عَلَيْهَا إِلَّا مَا تَأَوَّلَهُ مَالِكٌ هُنَا وَقَوْلُهُ تَعَالَى" قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى «٧» وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى" [الأعلى: ١٥]. وَالْمُفَسِّرُونَ يَذْكُرُونَ الْكَلَامَ عَلَيْهَا فِي سُورَةِ" الْأَعْلَى"، وَرَأَيْتُ الْكَلَامَ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ عِنْدَ كَلَامِنَا عَلَى آيِ الصِّيَامِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ الْحَدِيثَ. وَسَيَأْتِي فَأَضَافَهَا إِلَى رَمَضَانَ. الْخَامِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَارْكَعُوا) الرُّكُوعُ فِي اللُّغَةِ الِانْحِنَاءُ بِالشَّخْصِ وَكُلُّ مُنْحَنٍ رَاكِعٌ. قَالَ لَبِيَدٌ:
أخبِّر أَخْبَارَ الْقُرُونِ الَّتِي مَضَتْ | أدبُّ كَأَنِّي كُلَّمَا قُمْتُ رَاكِعُ |
وَلَا تُعَادِ الضَّعِيفَ عَلَّكَ أن | تركع يوما والدهر قد رفعه |
(٢). الذود من الإبل: ما بين الثنتين إلى التسع. وقيل: ما بين الثلاث إلى العشر. واللفظة مؤنثة ولا واحد لها من لفظها.
(٣). العثري (بفتح المهملة والثاء المثلثة المخففة وكسر الراء وتشديد الياء). قال ابن الأثير: (هو من النخيل الذي يشرب بعروقه من ماء المطر يجتمع في حفيرة. وقيل: هو العذي (الزرع الذي لا يسقى إلا من ماء المطر لبعده من المياه وقيل فيه غير ذلك). وقيل: هو ما يسقى سيحا والأول أشهر.
(٤). النضح (بفتح النون وسكون المعجمة بعدها مهملة): ما سقى من الآبار.
(٥). راجع ج ٧ ص ٩٩.
(٦). راجع ج ٨ ص ٢٤٤.
(٧). راجع ج ٢٠ ص ٢١.