الْأُولَى قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ) هَذَا استفهام معناه التَّوْبِيخِ وَالْمُرَادُ فِي قَوْلِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عُلَمَاءُ الْيَهُودِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ يَهُودُ الْمَدِينَةِ يَقُولُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ لِصِهْرِهِ وَلِذِي قَرَابَتِهِ وَلِمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ رَضَاعٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ اثْبُتْ عَلَى الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ وَمَا يَأْمُرُكَ بِهِ هَذَا الرَّجُلُ يُرِيدُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ أَمْرَهُ حَقٌّ فَكَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِذَلِكَ وَلَا يَفْعَلُونَهُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: كَانَ الْأَحْبَارُ يَأْمُرُونَ مُقَلِّدِيهِمْ وَأَتْبَاعِهِمْ بِاتِّبَاعِ التَّوْرَاةِ وَكَانُوا يُخَالِفُونَهَا فِي جَحْدِهِمْ صِفَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ كَانَ الْأَحْبَارُ يحضون في طَاعَةِ اللَّهِ وَكَانُوا هُمْ يُوَاقِعُونَ الْمَعَاصِيَ وَقَالَتْ فِرْقَةٌ كَانُوا يَحُضُّونَ عَلَى الصَّدَقَةِ وَيَبْخَلُونَ وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْإِشَارَاتِ الْمَعْنَى أَتُطَالِبُونَ النَّاسَ بِحَقَائِقِ الْمَعَانِي وَأَنْتُمْ تُخَالِفُونَ عَنْ ظَوَاهِرِ رُسُومِهَا! الثَّانِيَةُ- فِي شِدَّةِ عَذَابِ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ رَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي مَرَرْتُ عَلَى نَاسٍ تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ هَؤُلَاءِ الْخُطَبَاءُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا «١» يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا يَعْقِلُونَ) وَرَوَى أَبُو أُمَامَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إن الَّذِينَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ يَجُرُّونَ قَصَبَهُمْ «٢» فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُقَالُ لَهُمْ مَنْ أَنْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ نَحْنُ الَّذِينَ كُنَّا نَأْمُرُ النَّاسَ بِالْخَيْرِ وَنَنْسَى أَنْفُسَنَا). قُلْتُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ لِينٌ، لِأَنَّ فِي سَنَدِهِ الْخَصِيبَ بْنَ جَحْدَرٍ كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ يَسْتَضْعِفُهُ وَكَذَلِكَ ابْنُ مَعِينٍ يَرْوِيهِ عَنْ أَبِي غَالِبٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ صُدَيِّ بْنِ عَجْلَانَ الْبَاهِلِيِّ وَأَبُو غَالِبٍ هُوَ فِيمَا حَكَى يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ حَزَوَّرُ الْقُرَشِيُّ مَوْلَى خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ابن أَسِيدٍ وَقِيلَ: مَوْلَى بَاهِلَةَ وَقِيلَ: مَوْلَى عَبْدِ الرحمن الحضرمي كان يختلف إلى
(٢). سيأتي معنى (القصب). [..... ]