فَالشَّرْطُ الْأَوَّلُ مِنْ شُرُوطِهَا أَنْ تَكُونَ مِمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا إِلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ. وَإِنَّمَا وجب حصول هذا الشرط للمعجزة لأنه أَتَى آتٍ فِي زَمَانٍ يَصِحُّ فِيهِ مَجِيءُ الرسل وادعى الرسالة وجعل معجزته أت يَتَحَرَّكَ وَيَسْكُنَ وَيَقُومَ وَيَقْعُدَ لَمْ يَكُنْ هَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ مُعْجِزَةً لَهُ، وَلَا دَالًّا عَلَى صِدْقِهِ لِقُدْرَةِ الْخَلْقِ عَلَى مِثْلِهِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْمُعْجِزَاتُ كَفَلْقِ الْبَحْرِ، وَانْشِقَاقِ الْقَمَرِ، وَمَا شَاكَلَهَا مِمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا الْبَشَرُ. وَالشَّرْطُ الثَّانِي هُوَ أَنْ تَخْرِقَ الْعَادَةَ. وَإِنَّمَا وَجَبَ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ الْمُدَّعِي لِلرِّسَالَةِ: آيَتِي مَجِيءُ اللَّيْلِ بَعْدَ النَّهَارِ وَطُلُوعُ الشمس من مشرقها، لم يكن فيما ادعا مُعْجِزَةٌ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا إِلَّا اللَّهُ، فَلَمْ تُفْعَلْ مِنْ أَجْلِهِ، وَقَدْ كَانَتْ قَبْلَ دَعْوَاهُ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ فِي حِينِ دَعَوَاهُ، وَدَعَوَاهُ فِي دَلَالَتِهَا عَلَى نُبُوَّتِهِ كَدَعْوَى غَيْرِهِ، فَبَانَ أَنَّهُ لأوجه لَهُ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ، وَالَّذِي يَسْتَشْهِدُ بِهِ الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَهُ وَجْهٌ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ، وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: الدَّلِيلُ عَلَى صِدْقِي أَنْ يَخْرِقَ اللَّهُ تَعَالَى الْعَادَةَ مِنْ أَجْلِ دَعْوَايَ عَلَيْهِ الرِّسَالَةَ، فَيَقْلِبُ هَذِهِ الْعَصَا ثُعْبَانًا، وَيَشُقُّ الْحَجَرَ وَيُخْرِجُ مِنْ وَسَطِهِ نَاقَةٌ، أَوْ يَنْبُعُ الْمَاءُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِي كَمَا يُنْبِعُهُ مِنَ الْعَيْنِ، أَوْ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْخَارِقَةِ لِلْعَادَاتِ، الَّتِي يَنْفَرِدُ بِهَا جَبَّارُ الأرض والسموات، فَتَقُومُ لَهُ هَذِهِ الْعَلَامَاتُ مَقَامَ قَوْلِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ، لَوْ أَسْمَعَنَا كَلَامَهُ الْعَزِيزَ وَقَالَ: صَدَقَ، أنا بعثته و. مثال هذا الْمَسْأَلَةِ وَلِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى مَا لَوْ كَانَتْ جَمَاعَةٌ بِحَضْرَةِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الْأَرْضِ، وَقَالَ أَحَدُ رِجَالِهِ وَهُوَ بِمَرْأًى مِنْهُ وَالْمَلِكُ يَسْمَعُهُ: الْمَلِكُ يَأْمُرُكُمْ أَيُّهَا الْجَمَاعَةُ بِكَذَا وَكَذَا، ودليل ذلك أن الملك يصدقني بفعل م أَفْعَالِهِ، وَهُوَ أَنْ يُخْرِجَ خَاتَمَهُ مِنْ يَدِهِ قَاصِدًا بِذَلِكَ تَصْدِيقِي، فَإِذَا سَمِعَ الْمَلِكُ كَلَامَهُ لَهُمْ وَدَعْوَاهُ فِيهِمْ، ثُمَّ عَمِلَ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ عَلَى صِدْقِهِ، قَامَ ذَلِكَ مَقَامَ قَوْلِهِ لَوْ قَالَ: صَدَقَ فِيمَا ادَّعَاهُ عَلَيَّ. فَكَذَلِكَ إذا عمل عَمَلًا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا هُوَ، وَخَرَقَ بِهِ الْعَادَةَ عَلَى يَدِ الرَّسُولِ، قَامَ ذَلِكَ الْفِعْلُ مَقَامَ كَلَامِهِ تَعَالَى لَوْ أُسْمِعْنَاهُ وَقَالَ: صدق عبدي في دعواي الرِّسَالَةِ، وَأَنَا أَرْسَلْتُهُ إِلَيْكُمْ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا.