مِنْ عَبِيدِي. وَنَظِيرُهَا" ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي مَا رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ «١» " عَلَى مَا يَأْتِي. وَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ، عَلَى مَا يَأْتِي أنفا «٢».
[سورة النحل (١٦): آية ٧٢]
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (٧٢)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) جَعَلَ بِمَعْنَى خَلَقَ وَقَدْ تَقَدَّمَ." مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً" يَعْنِي آدَمَ خَلَقَ مِنْهُ حَوَّاءَ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ، أَيْ مِنْ جِنْسِكُمْ وَنَوْعِكُمْ وَعَلَى خِلْقَتِكُمْ، كَمَا قَالَ:" لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ «٣» " أَيْ مِنَ الْآدَمِيِّينَ. وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى الْعَرَبِ الَّتِي كَانَتْ تَعْتَقِدُ أَنَّهَا كَانَتْ تَزَوَّجُ الْجِنَّ وَتُبَاضِعُهَا، حَتَّى رُوِيَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ هِنْدٍ «٤» تَزَوَّجَ منهم غولا وكان يخبؤها عَنِ الْبَرْقِ لِئَلَّا تَرَاهُ فَتَنْفِرَ، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي لَمَعَ الْبَرْقُ وَعَايَنَتْهُ السِّعْلَاةُ «٥» فَقَالَتْ: عَمْرٌو! وَنَفَرَتْ، فَلَمْ يَرَهَا أَبَدًا. وَهَذَا مِنْ أَكَاذِيبِهَا، وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فِي حُكْمِ اللَّهِ وَحِكْمَتِهِ فَهُوَ رَدٌّ عَلَى الْفَلَاسِفَةِ الَّذِينَ ينكرون وجود الجان وَيُحِيلُونَ طَعَامَهُمْ. (أَزْواجاً) زَوْجُ الرَّجُلِ هِيَ ثَانِيَتُهُ، فَإِنَّهُ فَرْدٌ فَإِذَا انْضَافَتْ إِلَيْهِ كَانَا زَوْجَيْنِ، وَإِنَّمَا جُعِلَتِ الْإِضَافَةُ إِلَيْهِ دُونَهَا لِأَنَّهُ أَصْلُهَا في الوجود كما تقدم.
(٢). يريد بعد قليل." آنفا" إنما تستعمل في الماضي القريب لا في المستقبل القريب.
(٣). راجع ج ٨ ص ٣٠١.
(٤). كذا في نسخ الأصول وأحكام القرآن لابن العربي، والصواب أنه عمرو بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن مناة، قال علياء بن أرقم:
يا قبحا لله بنى السعلاة | عمرو بن يربوع شرار النات |
إذا لاح إيماض شرت وجوهها | كأني عمرو والمطي سعالي |