" مِنْ رَبِّكُمْ". وَمَعْنَى الْآيَةِ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْفَلْنَا قُلُوبَهُمْ عَنْ ذِكْرِنَا: أَيُّهَا النَّاسُ! مِنْ رَبِّكُمُ الْحَقُّ فَإِلَيْهِ التَّوْفِيقُ وَالْخِذْلَانُ، وَبِيَدِهِ الْهُدَى وَالضَّلَالُ، يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَيُؤْمِنُ، وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ فَيَكْفُرُ، لَيْسَ إِلَيَّ مِنْ ذلك شي، فَاللَّهُ يُؤْتِي الْحَقَّ مَنْ يَشَاءُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا، وَيَحْرِمُهُ مَنْ يَشَاءُ وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا غَنِيًّا، وَلَسْتُ بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ لِهَوَاكُمْ، فَإِنْ شِئْتُمْ فَآمِنُوا، وَإِنْ شِئْتُمْ فَاكْفُرُوا. وَلَيْسَ هَذَا بِتَرْخِيصٍ وَتَخْيِيرٍ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ، وَإِنَّمَا هُوَ وَعِيدٌ وَتَهْدِيدٌ. أَيْ إِنْ كَفَرْتُمْ فَقَدْ أَعَدَّ لَكُمُ النار، وإن آمنتم فلكم الجنة. قوله تعالى: (إِنَّا أَعْتَدْنا) أَيْ أَعْدَدْنَا. (لِلظَّالِمِينَ) أَيْ لِلْكَافِرِينَ الْجَاحِدِينَ. (نَارًا أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: السُّرَادِقُ وَاحِدُ السُّرَادِقَاتِ الَّتِي تُمَدُّ فَوْقَ صَحْنِ الدَّارِ. وَكُلُّ بَيْتٍ مِنْ كُرْسُفٍ «١» فَهُوَ سُرَادِقٌ. قَالَ رُؤْبَةُ «٢»:
يَا حَكَمُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَارُودِ | سُرَادِقُ الْمَجْدِ عَلَيْكَ مَمْدُودُ |
هُوَ الْمُدْخِلُ النُّعْمَانَ بَيْتًا سَمَاؤُهُ | صُدُورُ الْفُيُولُ بَعْدَ بَيْتٍ مُسَرْدَقِ |
(٢). كذا في الأصل واللسان، واستدرك عليه صاحب اللسان بأنه الكذب الحرمازي، وتابعه على هذا سيبويه والأعلم الشنتمرى. مدح الراجز أحد بنى المنذر بن الجارود العبدى، وحكم هذا أحد ولاة البصرة لهشام بن عبد الملك. وسمي جده الجارود لأنه أعار على قوم فاكتسح أموالهم: فشبه بالسيل الذي يجرد ما مر به.
(٣). بفتح الواو وكسرها، ملك من ملوك الفرس.
(٤). راجع ج ١٩ ص ١٦٠.
(٥). راجع ج ١٧ ص ٢١٢.