[سورة الحجر (١٥): الآيات ٦ الى ٧]

وَقالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦) لَوْ مَا تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧)
قَالَهُ كُفَّارُ قُرَيْشٍ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على وجهة الِاسْتِهْزَاءِ، ثُمَّ طَلَبُوا مِنْهُ إِتْيَانَ الْمَلَائِكَةِ دَلَالَةً على صدقه. و (لَوْ ما) تَحْضِيضٌ عَلَى الْفِعْلِ كَلَوْلَا وَهَلَّا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الميم في" لَوْ ما" بَدَلٌ مِنَ اللَّامِ فِي لَوْلَا. وَمِثْلُهُ اسْتَوْلَى عَلَى الشَّيْءِ وَاسْتَوْمَى عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ خَالَمْتُهُ وَخَالَلْتُهُ، فهو خلمى وخلى، أي صديقي. وعلى هذا يجوز" لَوْ ما" بِمَعْنَى الْخَبَرِ، تَقُولُ: لَوْمَا زَيْدٌ لَضُرِبَ عَمْرٌو. قَالَ الْكِسَائِيُّ: لَوْلَا وَلَوْمَا سَوَاءٌ فِي الْخَبَرِ وَالِاسْتِفْهَامِ. قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
لَوْمَا الْحَيَاءُ وَلَوْمَا الدِّينُ عِبْتُكُمَا بِبَعْضِ مَا فِيكُمَا إِذْ عِبْتُمَا عَوَرِي
يُرِيدُ لَوْلَا الْحَيَاءُ. وَحَكَى النَّحَّاسُ لَوْمَا وَلَوْلَا وَهَلَّا وَاحِدٌ. وَأَنْشَدَ أَهْلُ اللُّغَةِ عَلَى ذَلِكَ:
تَعُدُّونَ عَقْرَ النِّيْبِ أَفْضَلَ مَجْدِكُمْ بَنِي ضَوْطَرَى لَوْلَا الْكَمِيُّ الْمُقَنَّعَا «١»
أَيْ هَلَّا تَعُدُّونَ الكمي المقنعا.
[سورة الحجر (١٥): آية ٨]
مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ (٨)
قَرَأَ حَفْصٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ (مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ) وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ. وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ وَالْمُفَضَّلُ" مَا تُنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ". الْبَاقُونَ" مَا تَنَزَّلَ الْمَلَائِكَةُ" وَتَقْدِيرُهُ: مَا تَتَنَزَّلُ بِتَاءَيْنِ حُذِفَتْ إِحْدَاهُمَا تَخْفِيفًا، وَقَدْ شَدَّدَ التَّاءَ البز ي، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِمٍ اعْتِبَارًا بِقَوْلِهِ:" تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ «٢» ". وَمَعْنَى" إِلَّا بِالْحَقِّ" إِلَّا بِالْقُرْآنِ. وَقِيلَ: بِالرِّسَالَةِ، عَنْ مُجَاهِدٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِلَّا بِالْعَذَابِ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا." (وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ) " أَيْ لَوْ تَنَزَّلَتِ الْمَلَائِكَةُ بِإِهْلَاكِهِمْ لَمَا أُمْهِلُوا وَلَا قُبِلَتْ لَهُمْ تَوْبَةٌ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَوْ تنزلت الملائكة تشهد لك فكفروا
(١). البيت لجرير يهجو الفرزدق. والعقر: ضرب قوائم الناقة بالسيف. والنيب (بكسر النون): جمع ناب، وهى الناقة المسنة. وضوطرى: هو الرجل الضخم اللئيم الذي لا غناه عنده، وهى كلمة ذم وسب. والكمي: الشجاع المتكمي في سلاحه، لأنه كمى نفسه أي شدها بالدرع والبيضة. والمقنع: الذي على رأسه البيضة والمغفر.
(٢). راجع ج ٢٠ ص ١٣٣.


الصفحة التالية
Icon