الْخَطِّ، فَعَمَدْتُ إِلَى التَّوْرَاةِ فَكَتَبْتُ ثَلَاثَ نُسَخٍ فَزِدْتُ فِيهَا وَنَقَصْتُ، وَأَدْخَلْتُهَا الْكَنِيسَةَ فَاشْتُرِيَتْ مِنِّي، وعمدت إلى الإنجيل فكتب ثَلَاثَ نُسَخٍ فَزِدْتُ فِيهَا وَنَقَصْتُ، وَأَدْخَلْتُهَا الْبِيعَةَ فَاشْتُرِيَتْ مِنِّي، وَعَمَدْتُ إِلَى الْقُرْآنِ فَعَمِلْتُ ثَلَاثَ نُسَخٍ وَزِدْتُ فِيهَا وَنَقَصْتُ، وَأَدْخَلْتُهَا الْوَرَّاقِينَ فَتَصَفَّحُوهَا، فَلَمَّا أَنْ وَجَدُوا فِيهَا الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ رَمَوْا بِهَا فَلَمْ يَشْتَرُوهَا، فَعَلِمْتُ أَنَّ هَذَا كِتَابٌ مَحْفُوظٌ، فَكَانَ هَذَا سَبَبُ إِسْلَامِي. قَالَ يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ: فَحَجَجْتُ تِلْكَ السَّنَةَ فَلَقِيتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ فَذَكَرْتُ لَهُ الْخَبَرَ فَقَالَ لِي: مِصْدَاقُ هَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ قُلْتُ: فِي أَيِّ مَوْضِعٍ؟ قَالَ: فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ:" بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ"، فَجَعَلَ حِفْظَهُ إِلَيْهِمْ فَضَاعَ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ:" إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ" فَحَفِظَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا فَلَمْ يَضِعْ. وَقِيلَ:" وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ" أَيْ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنْ يَتَقَوَّلَ عَلَيْنَا أَوْ نَتَقَوَّلَ عَلَيْهِ. أَوْ" وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ" مِنْ أَنْ يُكَادَ أَوْ يُقْتَلَ. نَظِيرُهُ" وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ «١» ". و" نَحْنُ" يجوز أن يكون موضعه رفعا بالابتداء و" نَزَّلْنَا" الْخَبَرَ. وَالْجُمْلَةُ خَبَرَ" إِنَّ". وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ" نَحْنُ" تَأْكِيدًا لِاسْمِ" إِنَّ" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، وَلَا تَكُونُ فَاصِلَةً لِأَنَّ الَّذِي بَعْدَهَا لَيْسَ بِمَعْرِفَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ جُمْلَةٌ، وَالْجُمَلُ تَكُونُ نُعُوتًا للنكرات فحكمها حكم النكرات.
[سورة الحجر (١٥): آية ١٠]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (١٠)
الْمَعْنَى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا، فَحُذِفَ. وَالشِّيَعُ جَمْعُ شِيعَةٍ وَهِيَ الْأُمَّةُ، أَيْ فِي أممهم، قاله ابن عباس وقتادة. الحسن: فِي فِرَقِهِمْ. وَالشِّيعَةُ: الْفِرْقَةُ وَالطَّائِفَةُ مِنَ النَّاسِ الْمُتَآلِفَةُ الْمُتَّفِقَةُ الْكَلِمَةِ. فَكَأَنَّ الشِّيَعَ الْفِرَقُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً «٢» ". وَأَصْلُهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الشِّيَاعِ وَهُوَ الْحَطَبُ الصِّغَارُ يُوقَدُ بِهِ الْكِبَارُ- كَمَا تَقَدَّمَ فِي" الْأَنْعَامِ".- وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: إن الشيع هنا القرى.

(١). راجع ج ٦ ص ٢٤٢.
(٢). راجع ج ٧ ص ٩.


الصفحة التالية
Icon