قَدْ أَطْعَمَتْنِي دَقَلًا حَوْلِيَّا | مُسَوِّسًا مُدَوِّدًا حَجْرِيَّا |
أي [تعظمينه «١»]. قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَا أُخْتَ هارُونَ) اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْأُخُوَّةِ وَمَنْ هَارُونُ؟ فَقِيلَ: هُوَ هَارُونُ أَخُو مُوسَى، وَالْمُرَادُ مَنْ كُنَّا نظنها مثل هرون في العبادة تأتي بمثل هذا. قيل: على هذا كانت مريم من ولد هرون أَخِي مُوسَى فَنُسِبَتْ إِلَيْهِ بِالْأُخُوَّةِ لِأَنَّهَا مِنْ وَلَدِهِ، كَمَا يُقَالُ لِلتَّمِيمِيِّ: يَا أَخَا تَمِيمٍ وَلِلْعَرَبِيِّ يَا أَخَا الْعَرَبِ. وَقِيلَ كَانَ لَهَا أخ من أبيها اسمه هرون، لِأَنَّ هَذَا الِاسْمَ كَانَ كَثِيرًا فِي بَنِي إسرائيل تبركا باسم هرون أَخِي مُوسَى، وَكَانَ أَمْثَلَ رَجُلٍ فِي بَنِي إسرائيل، قاله الكلبي. وقيل: هرون هَذَا رَجُلٌ صَالِحٌ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ تَبِعَ جِنَازَتَهُ يَوْمَ مَاتَ أَرْبَعُونَ أَلْفًا كُلُّهُمُ اسْمُهُ هرون. وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ عَابِدٌ مُنْقَطِعٌ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وجل يسمى هرون فَنَسَبُوهَا إِلَى أُخُوَّتِهِ مِنْ حَيْثُ كَانَتْ عَلَى طَرِيقَتِهِ قَبْلُ، إِذْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى خِدْمَةِ الْبِيَعِ، أَيْ يَا هَذِهِ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ مَا كُنْتِ أَهْلًا لِذَلِكَ. وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ بِحَضْرَةِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ مريم ليست بأخت هرون أَخِي مُوسَى، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: كَذَبْتَ. فَقَالَ لَهَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ فَهُوَ أَصْدَقُ وَأَخْبَرُ، وَإِلَّا فَإِنِّي أَجِدُ بَيْنَهُمَا مِنَ الْمُدَّةِ سِتَّمِائَةِ سَنَةٍ. قَالَ: فَسَكَتَتْ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: لَمَّا قَدِمْتُ نَجْرَانَ سَأَلُونِي فَقَالَ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ" يَا أُخْتَ هارُونَ" وَمُوسَى قَبْلَ عِيسَى بِكَذَا وَكَذَا، فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ بِأَنْبِيَائِهِمْ وَالصَّالِحِينَ قَبْلَهُمْ). وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فِي غَيْرِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّصَارَى قَالُوا لَهُ: إِنَّ صَاحِبَكَ يَزْعُمُ أَنَّ مريم هي أخت هرون وَبَيْنَهُمَا فِي الْمُدَّةِ سِتُّمِائَةِ سَنَةٍ؟! قَالَ الْمُغِيرَةُ: فَلَمْ أَدْرِ مَا أَقُولُ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَالْمَعْنَى أَنَّهُ اسْمٌ وَافَقَ اسْمًا. وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا جواز التسمية بأسماء الأنبياء، والله أعلم.
(١). في الأصول: (تطعمينه) ولعله تصحيف.