حَكَاهُ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ «١» وَهُوَ رَئِيسٌ مِنْ رُؤَسَاءِ اللُّغَةِ لَا يُشَكُّ فِي صِدْقِهِ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ سِيبَوَيْهِ
وَأَنْشَدَ:
وَإِنْ تَكْتُمُوا الدَّاءَ لا نخفه | وإن تبعثوا الحرب لا نقعد |
كَذَا رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ بِضَمِّ النُّونِ. وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ أَيْضًا:
خَفَاهُنَّ مِنْ أَنْفَاقِهِنَّ كَأَنَّمَا | خَفَاهُنَّ وَدْقٌ مِنْ عَشِيٍّ مُجَلِّبِ «٢» |
أَيْ أَظْهَرَهُنَّ. وَرَوَى:" مِنْ سَحَابٍ مُرَكَّبِ" بَدَلَ" مِنْ عَشِيٍّ مُجَلِّبِ". وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَنْبَارِيُّ: وَتَفْسِيرٌ لِلْآيَةِ آخَرُ:" إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ ٢٠: ١٥" انْقَطَعَ الْكَلَامُ عَلَى" أَكادُ ٢٠: ١٥" وَبَعْدَهُ مُضْمَرٌ أَكَادُ آتِي بِهَا، وَالِابْتِدَاءُ" أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ ٢٠: ١٥" قَالَ ضَابِئٌ الْبُرْجُمِيُّ:
«٣»هَمَمْتُ وَلَمْ أَفْعَلْ وَكِدْتُ وَلَيْتَنِي | تَرَكْتُ عَلَى عُثْمَانَ تَبْكِي حَلَائِلُهُ |
أَرَادَ وَكِدْتُ أَفْعَلُ، فَأَضْمَرَ مَعَ كِدْتُ فِعْلًا كَالْفِعْلِ الْمُضْمَرِ مَعَهُ فِي الْقُرْآنِ. قُلْتُ: هَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ النَّحَّاسُ، وَزَيَّفَ الْقَوْلَ الَّذِي قَبْلَهُ فَقَالَ يُقَالُ: خَفَى الشَّيْءَ يُخْفِيهِ إِذَا أَظْهَرَهُ، وَقَدْ حُكِيَ أَنَّهُ يُقَالُ: أَخْفَاهُ أَيْضًا إِذَا أَظْهَرَهُ، وَلَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ، قَالَ: وَقَدْ رَأَيْتُ عَلِيَّ بْنَ سُلَيْمَانَ لَمَّا أَشْكَلَ عَلَيْهِ مَعْنَى" أُخْفِيها ٢٠: ١٥" عَدَلَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَقَالَ: مَعْنَاهُ كَمَعْنَى" أُخْفِيها ٢٠: ١٥". قال النحاس: ليس المعنى على أظهر وَلَا سِيَّمَا وَ" أُخْفِيها ٢٠: ١٥" قِرَاءَةٌ شَاذَّةٌ، فَكَيْفَ ترد القراءة الصحيحة الشائعة إلى الشاذة، ومعنى المضمر أَوْلَى، وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادَ آتِي بِهَا، وَدَلَّ:" آتِيَةٌ" عَلَى آتِي بِهَا، ثُمَّ قَالَ:" أُخْفِيها ٢٠: ١٥" عَلَى الِابْتِدَاءِ. وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَخْفَى السَّاعَةَ الَّتِي هِيَ الْقِيَامَةُ، وَالسَّاعَةُ الَّتِي يَمُوتُ فِيهَا الْإِنْسَانُ لِيَكُونَ الْإِنْسَانُ يَعْمَلُ، وَالْأَمْرُ عِنْدَهُ مبهم فلا يؤخر التوبة.