[سورة الأنبياء (٢١): الآيات ٦٨ الى ٦٩]
قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (٦٨) قُلْنا يَا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ (٦٩)قَوْلُهُ تَعَالَى: (قالُوا حَرِّقُوهُ) لَمَّا انْقَطَعُوا بِالْحُجَّةِ أَخَذَتْهُمْ عِزَّةٌ بِإِثْمٍ وَانْصَرَفُوا إِلَى طَرِيقِ الْغَشْمِ وَالْغَلَبَةِ وَقَالُوا حَرِّقُوهُ. رُوِيَ أَنَّ قَائِلَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ هُوَ رَجُلٌ مِنَ الْأَكْرَادِ مِنْ أَعْرَابِ فارس، أي من باديتها، قاله ابن عمر وَمُجَاهِدٌ وَابْنُ جُرَيْجٍ. وَيُقَالُ: اسْمُهُ هيزرُ «١» فَخَسَفَ اللَّهُ بِهِ الْأَرْضَ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَقِيلَ: بَلْ قَالَهُ مَلِكُهُمْ نُمْرُودُ. (وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ) بِتَحْرِيقِ إِبْرَاهِيمَ لِأَنَّهُ يَسُبُّهَا وَيَعِيبُهَا. وَجَاءَ فِي الْخَبَرِ: أَنَّ نُمْرُودَ بَنَى صَرْحًا طُولُهُ ثَمَانُونَ ذِرَاعًا وَعَرْضُهُ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَجَمَعُوا الْحَطَبَ شَهْرًا ثُمَّ أَوْقَدُوهَا، وَاشْتَعَلَتْ وَاشْتَدَّتْ، حَتَّى إِنْ كَانَ الطَّائِرُ لَيَمُرُّ بِجَنَبَاتِهَا فَيَحْتَرِقُ مِنْ شِدَّةِ وَهَجِهَا. ثُمَّ قَيَّدُوا إِبْرَاهِيمَ وَوَضَعُوهُ فِي الْمَنْجَنِيقِ مَغْلُولًا. وَيُقَالُ: إِنَّ إبليس صنع لهم المنجنيق يومئذ. فضجت السموات وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَجَمِيعِ الْخَلْقِ، إِلَّا الثَّقَلَيْنِ ضَجَّةً وَاحِدَةً: رَبَّنَا! إِبْرَاهِيمَ لَيْسَ فِي الْأَرْضِ أَحَدٌ يَعْبُدُكَ غَيْرَهُ يُحَرَّقُ فِيكَ فَأْذَنْ لَنَا فِي نُصْرَتِهِ. فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" إِنِ اسْتَغَاثَ بِشَيْءٍ مِنْكُمْ أَوْ دَعَاهُ فَلْيَنْصُرْهُ فَقَدْ أَذِنْتُ لَهُ فِي ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَدْعُ غَيْرِي فَأَنَا أَعْلَمُ بِهِ وَأَنَا وَلِيُّهُ" فَلَمَّا أَرَادُوا إِلْقَاءَهُ فِي النَّارِ، أَتَاهُ خُزَّانِ الْمَاءِ- وَهُوَ فِي الْهَوَاءِ- فَقَالُوا: يَا إِبْرَاهِيمُ إِنْ أَرَدْتَ أَخْمَدْنَا النَّارَ بِالْمَاءِ. فَقَالَ: لَا حَاجَةَ لِي إِلَيْكُمْ. وَأَتَاهُ مَلَكُ الرِّيحِ فَقَالَ: لَوْ شِئْتَ طَيَّرْتُ النَّارَ. فَقَالَ: لَا. ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ:" اللَّهُمَّ أَنْتَ الْوَاحِدُ فِي السَّمَاءِ وَأَنَا الْوَاحِدُ فِي الْأَرْضِ لَيْسَ أَحَدٌ يَعْبُدُكَ غَيْرِي حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ". وَرَوَى أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حِينَ قَيَّدُوهُ لِيُلْقُوهُ فِي النَّارِ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ لَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الْمُلْكُ لَا شَرِيكَ لَكَ) قَالَ: ثُمَّ رَمَوْا بِهِ فِي الْمَنْجَنِيقِ مِنْ مَضْرِبٍ شَاسِعٍ، فَاسْتَقْبَلَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: يَا إِبْرَاهِيمُ أَلَكَ حَاجَةٌ؟ قَالَ:" أَمَّا إِلَيْكَ فَلَا". فَقَالَ جِبْرِيلُ: فَاسْأَلْ رَبَّكَ. فَقَالَ:" حَسْبِي مِنْ سؤالي علمه بحالي". فقال
(١). وقيل: اسمه (هيزن) كما في تاريخ الطبري وتفسيره. وقيل: (هيون).