[سورة الأنبياء (٢١): الآيات ١٠٧ الى ١٠٩]

وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (١٠٧) قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٨) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ (١٠٩)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) قَالَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحْمَةً لِجَمِيعِ النَّاسِ فَمَنْ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَ بِهِ سَعِدَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ سَلِمَ مِمَّا لَحِقَ الْأُمَمَ مِنَ الْخَسْفِ وَالْغَرَقِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: أَرَادَ بِالْعَالَمِينَ الْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً. قَوْلُهُ تَعَالَى: (قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) فَلَا يَجُوزُ الْإِشْرَاكُ بِهِ. (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) أَيْ مُنْقَادُونَ لِتَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى، أَيْ فَأَسْلِمُوا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ" «١» [المائدة: ٩١] أَيِ انْتَهُوا. قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَإِنْ تَوَلَّوْا) أَيْ إِنْ أَعْرَضُوا عَنِ الْإِسْلَامِ (فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ) أَيْ أَعْلَمْتُكُمْ عَلَى بَيَانِ أَنَّا وَإِيَّاكُمْ حَرْبٌ لَا صُلْحَ بَيْنَنَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ" «٢» [الأنفال: ٥٨] أَيْ أَعْلِمْهُمْ أَنَّكَ نَقَضْتَ الْعَهْدَ نَقْضًا، أَيِ اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَهُمْ فَلَيْسَ لِفَرِيقٍ عَهْدٌ مُلْتَزَمٌ فِي حَقِّ الْفَرِيقِ الْآخَرِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى أَعْلَمْتُكُمْ بِمَا يُوحَى إِلَيَّ عَلَى اسْتِوَاءٍ فِي الْعِلْمِ بِهِ، وَلَمْ أُظْهِرْ لِأَحَدٍ شَيْئًا كَتَمْتُهُ عَنْ غَيْرِهِ. (وَإِنْ أَدْرِي) " إِنْ" نَافِيةٌ بِمَعْنَى" مَا" أَيْ وَمَا أَدْرِي. (أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ) يَعْنِي أَجَلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يَدْرِيهِ أَحَدٌ لَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَلَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقِيلَ: آذَنْتُكُمْ بِالْحَرْبِ وَلَكِنِّي لَا أَدْرِي مَتَى يُؤْذَنُ لِي فِي محاربتكم.
[سورة الأنبياء (٢١): الآيات ١١٠ الى ١١٢]
إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (١١٠) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (١١١) قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى مَا تَصِفُونَ (١١٢)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ) أَيْ مِنَ الشِّرْكِ وَهُوَ الْمُجَازِي عَلَيْهِ. (وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ) أَيْ لَعَلَّ الْإِمْهَالَ (فِتْنَةٌ لَكُمْ) أَيِ اخْتِبَارٌ لِيَرَى كَيْفَ صنيعكم
(١). راجع ج ٦ ص ٢٨٥ فما بعد.
(٢). راجع ج ٨ ص ٣١.


الصفحة التالية
Icon