فَمَشَتْ حَتَّى جَاوَزَتِ الْجَيْشَ، فَلَمَّا فَرَغَتْ مِنْ شَأْنِهَا أَقْبَلَتْ إِلَى الرَّحْلِ فَلَمَسَتْ صَدْرَهَا فَإِذَا عِقْدٌ مِنْ جَزْعِ ظَفَارٍ قَدِ «١» انْقَطَعَ، فَرَجَعَتْ فالتمسته فحبسها ابتغاؤه، فوجدته وانصرفت فلم تَجِدْ أَحَدًا، وَكَانَتْ شَابَّةً قَلِيلَةَ اللَّحْمِ، فَرَفَعَ الرجال هودجها ولم يشعروا بزوالها مِنْهُ، فَلَمَّا لَمْ تَجِدْ أَحَدًا اضْطَجَعَتْ فِي مَكَانِهَا رَجَاءَ أَنْ تُفْتَقَدَ فَيُرْجَعَ إِلَيْهَا، فَنَامَتْ فِي الْمَوْضِعِ وَلَمْ يُوقِظْهَا إِلَّا قَوْلُ صَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطَّلِ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ تَخَلَّفَ وَرَاءَ الْجَيْشِ لِحِفْظِ السَّاقَةِ. وَقِيلَ: إِنَّهَا اسْتَيْقَظَتْ لِاسْتِرْجَاعِهِ، وَنَزَلَ عَنْ نَاقَتِهِ وَتَنَحَّى عَنْهَا حَتَّى رَكِبَتْ عَائِشَةُ، وَأَخَذَ يَقُودُهَا حَتَّى بَلَغَ بِهَا الْجَيْشَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، فَوَقَعَ أَهْلُ الْإِفْكِ فِي مَقَالَتِهِمْ، وَكَانَ الَّذِي يَجْتَمِعُ إِلَيْهِ فِيهِ وَيَسْتَوْشِيهِ «٢» وَيُشْعِلُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ الْمُنَافِقُ، وَهُوَ الَّذِي رَأَى صَفْوَانَ آخِذًا بِزِمَامِ نَاقَةِ عَائِشَةَ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا نَجَتْ مِنْهُ وَلَا نَجَا مِنْهَا، وَقَالَ: امْرَأَةُ نَبِيِّكُمْ بَاتَتْ مَعَ رَجُلٍ. وَكَانَ مِنْ قَالَتِهِ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَمِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ. هَذَا اخْتِصَارُ الْحَدِيثِ، وَهُوَ بِكَمَالِهِ وَإِتْقَانِهِ فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، وَهُوَ فِي مُسْلِمٍ أَكْمَلُ. وَلَمَّا بَلَغَ صَفْوَانَ قَوْلُ حَسَّانَ فِي الْإِفْكِ جَاءَ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ ضَرْبَةً عَلَى رَأْسِهِ وَقَالَ:
تَلَقَّ ذُبَابَ السَّيْفِ عَنِّي فَإِنَّنِي | غُلَامٌ إِذَا هُوجِيتُ لَيْسَ بِشَاعِرِ |
(٢). يستوشبه: يستخرجه بالبحث والمسألة ثم يفشيه ويشيعه ويحركه.
(٣). لبب فلان فلانا: أخذ بتلبيبه، أي جمع ثيابه عند صدره ونحره في الخصومة ثم جره.
(٤). من ك.