أَيْضًا وَالضَّحَّاكُ: هُوَ عَائِدٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ:" مَثَلُ نُورِ الْمُؤْمِنِينَ". وَرُوِيَ أَنَّ فِي قِرَاءَتِهِ" مَثَلُ نُورِ الْمُؤْمِنِ". وَرُوِيَ أَنَّ فِيهَا" مَثَلُ نُورِ مَنْ آمَنَ بِهِ". وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ عَائِدٌ عَلَى الْقُرْآنِ وَالْإِيمَانِ. قَالَ ما: وَعَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ يُوقَفُ عَلَى قَوْلِهِ:" وَالْأَرْضِ". قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ فِيهَا عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى مَنْ لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ، وَفِيهَا مُقَابَلَةُ جُزْءٍ مِنَ الْمِثَالِ بِجُزْءٍ مِنَ الْمُمَثَّلِ، فَعَلَى مَنْ قَالَ الْمُمَثَّلُ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَوْلُ كَعْبٍ الْحَبْرِ، «١» فَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمِشْكَاةُ أَوْ صَدْرُهُ وَالْمِصْبَاحُ هُوَ النُّبُوَّةُ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنْ عَمَلِهِ «٢» وَهُدَاهُ، وَالزُّجَاجَةُ قَلْبُهُ، وَالشَّجَرَةُ الْمُبَارَكَةُ هِيَ الْوَحْيُ، وَالْمَلَائِكَةُ رُسُلُ اللَّهِ إِلَيْهِ وَسَبَبُهُ الْمُتَّصِلُ بِهِ، وَالزَّيْتُ هُوَ الْحُجَجُ وَالْبَرَاهِينُ وَالْآيَاتُ الَّتِي تَضَمَّنَهَا الْوَحْيُ. وَمَنْ قَالَ: الْمُمَثَّلُ بِهِ الْمُؤْمِنُ، وَهُوَ قَوْلُ أُبَيٍّ، فَالْمِشْكَاةُ صَدْرُهُ، وَالْمِصْبَاحُ الْإِيمَانُ وَالْعِلْمُ، وَالزُّجَاجَةُ قَلْبُهُ، وَزَيْتُهَا هُوَ الْحُجَجُ وَالْحِكْمَةُ الَّتِي تَضَمَّنَهَا. قَالَ أُبَيٌّ: فَهُوَ عَلَى أَحْسَنِ الْحَالِ يَمْشِي فِي النَّاسِ كَالرَّجُلِ الْحَيِّ يَمْشِي فِي قُبُورِ الْأَمْوَاتِ. وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْمُمَثَّلَ بِهِ هُوَ الْقُرْآنُ وَالْإِيمَانُ، فَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ: مَثَلُ نُورِهِ الَّذِي هُوَ الْإِيمَانُ فِي صَدْرِ الْمُؤْمِنِ فِي قَلْبِهِ كَمِشْكَاةٍ، أَيْ كَهَذِهِ الْجُمْلَةِ. وَهَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ فِي مُقَابَلَةِ التَّشْبِيهِ كَالْأَوَّلَيْنِ، لِأَنَّ الْمِشْكَاةَ لَيْسَتْ تُقَابِلُ الْإِيمَانَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الضَّمِيرُ فِي" نُورِهِ" عَائِدٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَا ذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَهْدَوِيُّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ. وَلَا يُوقَفُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ عَلَى" الْأَرْضِ". قَالَ الْمَهْدَوِيُّ: الْهَاءُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، والتقدير: الله هادي أهل السموات وَالْأَرْضِ، مَثَلُ هُدَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ كَمِشْكَاةٍ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَكَذَلِكَ قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَالْحَسَنُ: إِنَّ الْهَاءَ لِلَّهِ عز وجل. وكان أبى وابن مسعود يقرءانها" مَثَلُ نُورِهِ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ كَمِشْكَاةٍ". قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ التِّرْمِذِيُّ: فَأَمَّا غَيْرُهُمَا فَلَمْ يَقْرَأْهَا فِي التَّنْزِيلِ هَكَذَا، وَقَدْ وَافَقَهُمَا فِي التأويل أن ذلك نوره قَلْبِ الْمُؤْمِنِ، وَتَصْدِيقُهُ فِي آيَةٍ أُخْرَى يَقُولُ:" أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ «٣» رَبِّهِ" [الزمر
: ٢٢]. وَاعْتَلَّ الْأَوَّلُونَ بِأَنْ قَالُوا: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْهَاءُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل لا حد
(٢). في ابن عطية:" من علمه".
(٣). راجع ج ١٥ ص ٢٤٦.