مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُجْرِي أَمْسَ مَجْرَى مَا لَا يَنْصَرِفُ فِي مَوْضِعِ الرَّفْعِ خَاصَّةً، وَرُبَّمَا اضْطُرَّ الشَّاعِرُ فَفَعَلَ هَذَا فِي الْخَفْضِ وَالنَّصْبِ، وقال الشاعر:
لقد رأيت عجبا مذ أمسا
فخفض بمذ مَا مَضَى وَاللُّغَةُ الْجَيِّدَةُ الرَّفْعُ، فَأُجْرِيَ أَمْسُ فِي الْخَفْضِ مَجْرَاهُ فِي الرَّفْعِ عَلَى اللُّغَةِ الثَّانِيَةِ. (قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) وَالْغَوِيُّ الْخَائِبُ، أَيْ لِأَنَّكَ تُشَادُّ مَنْ لَا تُطِيقُهُ. وَقِيلَ: مُضِلٌّ بَيِّنُ الضَّلَالَةِ، قَتَلْتُ بِسَبَبِكِ أَمْسِ رَجُلًا، وَتَدْعُونِي الْيَوْمَ لِآخَرَ. وَالْغَوِيُّ فَعِيلٌ مِنْ أَغْوَى يُغْوِي، وَهُوَ بِمَعْنَى مُغْوٍ، وَهُوَ كَالْوَجِيعِ وَالْأَلِيمِ بِمَعْنَى الْمُوجِعِ وَالْمُؤْلِمِ وَقِيلَ: الْغَوِيُّ بِمَعْنَى الْغَاوِي. أَيْ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ فِي قِتَالِ مَنْ لَا تُطِيقُ دَفْعَ شَرِّهِ عَنْكَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنَّمَا قَالَ لِلْقِبْطِيِّ" إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ" فِي اسْتِسْخَارِ هَذَا الْإِسْرَائِيلِيِّ وَهَمَّ أَنْ يَبْطِشَ به. يقال: بَطَشَ يَبْطِشُ وَيَبْطُشُ وَالضَّمُّ أَقْيَسُ لِأَنَّهُ فِعْلٌ لَا يَتَعَدَّى. (قالَ يَا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي) قَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ. أَرَادَ مُوسَى أَنْ يَبْطِشَ بِالْقِبْطِيِّ فَتَوَهَّمَ الْإِسْرَائِيلِيُّ أَنَّهُ يُرِيدُهُ، لِأَنَّهُ أَغْلَظَ لَهُ فِي الْقَوْلِ، فَقَالَ:" أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ" فَسَمِعَ الْقِبْطِيُّ الْكَلَامَ فَأَفْشَاهُ. وَقِيلَ: أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ الْإِسْرَائِيلِيُّ بِالْقِبْطِيِّ فَنَهَاهُ مُوسَى فَخَافَ مِنْهُ، فَقَالَ:" أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ". (إِنْ تُرِيدُ) أَيْ مَا تُرِيدُ. (إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ) أي قتالا، قال عِكْرِمَةُ وَالشَّعْبِيُّ: لَا يَكُونُ الْإِنْسَانُ جَبَّارًا حَتَّى يَقْتُلَ نَفْسَيْنِ بِغَيْرِ حَقٍّ. (وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) أَيْ مِنَ الَّذِينَ يُصْلِحُونَ بين الناس.
[سورة القصص (٢٨): الآيات ٢٠ الى ٢٢]
وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يَا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (٢٠) فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢١) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (٢٢)


الصفحة التالية
Icon