الْخُصُوصِ؟! قَالَ مَعْنَاهُ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: فِيهِ تقدير استفهام، أي أو تلك نِعْمَةٌ؟ قَالَهُ الْأَخْفَشُ وَالْفَرَّاءُ أَيْضًا وَأَنْكَرَهُ النَّحَّاسُ وَغَيْرُهُ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ أَلِفَ الِاسْتِفْهَامِ تُحْدِثُ مَعْنًى، وَحَذْفُهَا مُحَالٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْكَلَامِ أَمْ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
تَرُوحُ مِنَ الْحَيِّ أَمْ تَبْتَكِرُ
وَلَا أَعْلَمُ بَيْنَ النَّحْوِيِّينَ اخْتِلَافًا فِي هَذَا إِلَّا شَيْئًا قَالَهُ الْفَرَّاءُ. قَالَ: يَجُوزُ أَلِفُ الِاسْتِفْهَامِ فِي أَفْعَالِ الشَّكِّ، وَحُكِيَ تَرَى زَيْدًا مُنْطَلِقًا؟ بِمَعْنَى أَتَرَى. وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ يَقُولُ فِي هَذَا: إِنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامَّةِ. قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: قَالَ الْفَرَّاءُ وَمَنْ قَالَ إِنَّهَا إنكار قال معناه أو تلك نِعْمَةٌ؟ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِفْهَامِ، كَقَوْلِهِ:" هَذَا رَبِّي"" فَهُمُ الْخالِدُونَ". قال الشَّاعِرِ «١»:

رَفَوْنِي وَقَالُوا يَا خُوَيْلِدُ لَا تُرَعْ فَقُلْتُ وَأَنْكَرْتُ الْوُجُوهَ هُمُ هُمُ
وَأَنْشَدَ الْغَزْنَوِيُّ شَاهِدًا عَلَى تَرْكِ الْأَلِفِ قَوْلَهُمْ:
لَمْ أَنْسَ يَوْمَ الرَّحِيلِ وَقْفَتَهَا وَجَفْنُهَا مِنْ دُمُوعِهَا شَرِقُ
وَقَوْلَهَا وَالرِّكَابُ وَاقِفَةٌ تَرَكْتَنِي هَكَذَا وَتَنْطَلِقُ
قُلْتُ: فَفِي هَذَا حُذِفَ أَلِفُ الِاسْتِفْهَامِ مَعَ عَدَمِ أَمْ خِلَافَ قَوْلِ النَّحَّاسِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: إِنَّ الْكَلَامَ خَرَجَ مَخْرَجَ التَّبْكِيتِ وَالتَّبْكِيتُ يَكُونُ، بِاسْتِفْهَامٍ وَبِغَيْرِ اسْتِفْهَامٍ، وَالْمَعْنَى: لَوْ لَمْ تَقْتُلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَرَبَّانِي أَبَوَايَ، فَأَيُّ نِعْمَةٍ لَكَ عَلَيَّ! فَأَنْتَ تَمُنُّ عَلَيَّ بِمَا لَا يَجِبُ أَنْ تَمُنَّ بِهِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ كَيْفَ تَمُنُّ بِالتَّرْبِيَةِ وَقَدْ أَهَنْتَ قَوْمِي؟ وَمَنْ أُهِينَ قَوْمُهُ ذَلَّ. وَ" أَنْ عَبَّدْتَ" فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ" نِعْمَةٌ" وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِمَعْنَى: لِأَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَيِ اتخذتهم عبيدا. يقال: عبدته وأعبدته بمعنى، قال الفراء وأنشد:
علا م يُعْبِدُنِي قَوْمِي وَقَدْ كَثُرَتْ فِيهِمْ أَبَاعِرُ مَا شاءوا وعبدان
(١). هو أبو خراش الهذلي، وقد تقدم شرح البيت في ج ١١ ص ٢٨٧ طبعه أولى أو ثانية.


الصفحة التالية
Icon