الْمَوْضِعَ يَتَضَمَّنُ جَنَّاتٍ." نُزُلًا" أَيْ ضِيَافَةً. وَالنُّزُلُ: مَا يُهَيَّأُ لِلنَّازِلِ وَالضَّيْفِ. وَقَدْ مَضَى فِي آخِرِ" آلِ عِمْرَانَ" «١» وَهُوَ نُصِبَ عَلَى الْحَالِ مِنَ الْجَنَّاتِ، أَيْ لَهُمُ الْجَنَّاتُ مُعَدَّةً، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا لَهُ. (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا) أَيْ خَرَجُوا عَنِ الْإِيمَانِ إِلَى الْكُفْرِ (فَمَأْواهُمُ النَّارُ) أَيْ مُقَامُهُمْ فِيهَا. (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها) أَيْ إِذَا دَفَعَهُمْ لَهَبُ النَّارِ إِلَى أَعْلَاهَا رُدُّوا إِلَى مَوْضِعِهِمْ فِيهَا، لِأَنَّهُمْ يَطْمَعُونَ فِي الْخُرُوجِ مِنْهَا. وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي" الْحَجِّ" «٢». (وَقِيلَ لَهُمْ) أَيْ يَقُولُ لَهُمْ خَزَنَةُ جَهَنَّمَ. أَوْ يَقُولُ اللَّهُ لَهُمْ: (ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) وَالذَّوْقُ يُسْتَعْمَلُ مَحْسُوسًا وَمَعْنًى. وَقَدْ مَضَى في هذه السورة بيانه «٣».
[سورة السجده (٣٢): آية ٢١]
وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢١)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى) قَالَ الْحَسَنُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَالضَّحَّاكُ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: الْعَذَابُ الْأَدْنَى مَصَائِبُ الدُّنْيَا وَأَسْقَامُهَا مِمَّا يُبْتَلَى بِهِ الْعَبِيدُ حَتَّى يَتُوبُوا، وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ الْحُدُودُ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ: هُوَ الْقَتْلُ بِالسَّيْفِ يَوْمَ بَدْرٍ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: الْجُوعُ سَبْعَ سِنِينَ بِمَكَّةَ حَتَّى أَكَلُوا الْجِيَفَ، وَقَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَعَنْهُ أَيْضًا: الْعَذَابُ الْأَدْنَى عَذَابُ الْقَبْرِ، وَقَالَهُ الْبَرَاءُ ابن عَازِبٍ. قَالُوا: وَالْأَكْبَرُ عَذَابُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَقِيلَ عَذَابُ الْقَبْرِ. وَفِيهِ نَظَرٌ، لِقَوْلِهِ:" لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ". قَالَ: وَمَنْ حَمَلَ الْعَذَابَ عَلَى الْقَتْلِ قَالَ:" لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" أَيْ يَرْجِعُ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ. وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ عَذَابُ جَهَنَّمَ، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ خُرُوجُ الْمَهْدِيِّ بِالسَّيْفِ. وَالْأَدْنَى غَلَاءُ السِّعْرِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ:" لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ". عَلَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ وَالْبَرَاءِ: أَيْ لعلهم يريدون الرجوع ويطلبونه

(١). راجع ج ٤ ص ٣٢١.
(٢). راجع ج ١٢ ص ٢٧.
(٣). راجع ص ٩٨ و٩٩ من هذا الجزء.


الصفحة التالية
Icon