ثُمَّ تَنَاوَلَ السِّتْرُ فَهَتَكَهُ، ثُمَّ قَالَ: (إِنَّ مِنْ أَشَدِ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُشَبِّهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ). وَعَنْهَا: أَنَّهُ كَانَ لَهَا ثَوْبٌ فِيهِ تَصَاوِيرُ مَمْدُودٌ إِلَى سَهْوَةٍ «١»، فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إِلَيْهِ فَقَالَ: (أَخِّرِيهِ عَنِّي) قَالَتْ: فَأَخَّرْتُهُ فَجَعَلْتُهُ وِسَادَتَيْنِ. قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ تَهْتِيكُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ الثَّوْبَ وَأَمْرُهُ بِتَأْخِيرِهِ وَرَعًا، لِأَنَّ مَحَلَّ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ الْكَمَالُ. فَتَأَمَّلْهُ. السَّابِعَةُ- قَالَ الْمُزَنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ: إِنْ دُعِيَ رَجُلٌ إِلَى عُرْسٍ فَرَأَى صُورَةً ذَاتَ رُوحٍ أَوْ صُوَرًا ذَاتَ أَرْوَاحٍ، لَمْ يَدْخُلْ إِنْ كَانَتْ مَنْصُوبَةً. وَإِنْ كَانَتْ تُوطَأُ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ كَانَتْ صُوَرَ الشَّجَرِ. وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ التَّصَاوِيرَ فِي السُّتُورِ الْمُعَلَّقَةِ مَكْرُوهَةٌ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ. وَكَذَلِكَ عِنْدَهُمْ مَا كَانَ خَرْطًا أَوْ نَقْشًا فِي الْبِنَاءِ. وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ (مَا كَانَ رَقْمًا فِي ثَوْبٍ)، لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ. قُلْتُ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُصَوِّرِينَ وَلَمْ يَسْتَثْنِ. وَقَوْلُهُ: (إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ) وَلَمْ يَسْتَثْنِ. وَفِي التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَخْرُجُ عُنُقٌ «٢» مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ عَيْنَانِ تُبْصِرَانِ وَأُذُنَانِ تَسْمَعَانِ وَلِسَانٌ يَنْطِقُ يَقُولُ: إِنِّي وُكِّلْتُ بِثَلَاثٍ: بِكُلِّ جبار عنيد، وبكل من دعا مع الله إِلَهًا آخَرَ وَبِالْمُصَوِّرِينَ) قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ. وَفِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ). يَدُلُّ عَلَى المنع من تصوير شي، أي شي كان. وقد قال عز وجل:" ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها" «٣» [النمل: ٦٠] عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فَاعْلَمْهُ. الثَّامِنَةُ- وَقَدِ اسْتُثْنِيَ مِنْ هَذَا الْبَابِ لُعَبُ الْبَنَاتِ، لِمَا ثَبَتَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سَبْعِ سِنِينَ، وَزُفَّتْ إِلَيْهِ وَهِيَ بِنْتُ تسع

(١). السهوة: بيت صغير منحدر في الأرض قليلا شبيه بالمخدع والخزانة. وقيل: هو كالصفة تكون بين يدي البيت. وقيل: شبيه بالرف أو الطاق يوضع فيه الشيء.
(٢). العنق: القطعة.
(٣). راجع ج ١٣ ص ٢١٩


الصفحة التالية
Icon