بِهَا، وَإِنَّمَا اتَّبَعُوهُ بِشَهْوَةٍ وَتَقْلِيدٍ وَهَوَى نَفْسٍ، لَا عَنْ حُجَّةٍ وَدَلِيلٍ. (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ) يُرِيدُ عِلْمَ الشَّهَادَةِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ، فَأَمَّا الْغَيْبُ فَقَدْ عَلِمَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. وَمَذْهَبُ الْفَرَّاءِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: إِلَّا لِنَعْلَمَ ذَلِكَ عِنْدَكُمْ، كَمَا قَالَ:" أَيْنَ شُرَكائِيَ" «١» [النحل: ٢٧]، عَلَى قَوْلِكُمْ وَعِنْدَكُمْ، وَلَيْسَ قَوْلُهُ:" إِلَّا لِنَعْلَمَ" جَوَابَ" وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ" فِي ظَاهِرِهِ إِنَّمَا هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى، أَيْ وَمَا جَعَلْنَا لَهُ سُلْطَانًا إِلَّا لِنَعْلَمَ، فَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ، أَيْ لَا سُلْطَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ وَلَكِنَّا ابْتَلَيْنَاهُمْ بِوَسْوَسَتِهِ لِنَعْلَمَ، فَ"- إِلَّا" بِمَعْنَى لَكِنْ. وَقِيلَ هُوَ مُتَّصِلٌ، أَيْ مَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ، غَيْرَ أَنَّا سَلَّطْنَاهُ عَلَيْهِمْ لِيَتِمَّ الِابْتِلَاءُ. وَقِيلَ:" كانَ" زَائِدَةٌ، أَيْ وَمَا لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ، كَقَوْلِهِ:" كُنْتُمْ خَيْرَ «٢» أُمَّةٍ" [آل عمران: ١١٠] أَيْ أَنْتُمْ خَيْرُ أُمَّةٍ. وَقِيلَ: لَمَّا اتَّصَلَ طَرَفٌ مِنْهُ بِقِصَّةِ سَبَأٍ قَالَ: وَمَا كَانَ لِإِبْلِيسَ عَلَى أُولَئِكَ الْكُفَّارِ مِنْ سُلْطَانٍ. وَقِيلَ: وَمَا كَانَ لَهُ فِي قَضَائِنَا السَّابِقِ سُلْطَانٌ عَلَيْهِمْ. وَقِيلَ:" إِلَّا لِنَعْلَمَ" إِلَّا لِنُظْهِرَ، وَهُوَ كَمَا تَقُولُ: النَّارُ تُحْرِقُ الْحَطَبَ، فَيَقُولُ آخَرُ لَا بَلِ الْحَطَبُ يُحْرِقُ النَّارَ، فَيَقُولُ الْأَوَّلُ تَعَالَ حَتَّى نُجَرِّبَ النَّارَ وَالْحَطَبَ لِنَعْلَمَ أَيُّهُمَا يُحْرِقُ صَاحِبَهُ، أَيْ لِنُظْهِرَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا لَهُمْ ذَلِكَ. وَقِيلَ: إِلَّا لِتَعْلَمُوا أَنْتُمْ. وَقِيلَ: أَيْ لِيَعْلَمَ أَوْلِيَاؤُنَا وَالْمَلَائِكَةُ، كَقَوْلِهِ:" إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ" «٣» [المائدة: ٣٣] أَيْ يُحَارِبُونَ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَقِيلَ: أَيْ لِيَمِيزَ، كَقَوْلِهِ:" لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ" [الأنفال: ٣٧] وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي" الْبَقَرَةِ" «٤» وَغَيْرِهَا. وَقَرَأَ الزُّهْرِيُّ" إِلَّا لِيُعْلَمَ" عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. (وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) أي أنه عالم بكل شي. وقيل: يحفظ كل شي على العبد حتى يجازيه عليه.
[سورة سبإ (٣٤): آية ٢٢]
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (٢٢)
(٢). راجع ج ٤ ص ١٧٠.
(٣). راجع ج ٦ ص ١٤٧ فما بعد.
(٤). راجع ج ٢ ص ١٥٦ فما بعد.