فِي الْوَقْتِ، وَالظَّالِمُ الْغَافِلُ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى يَفُوتَ الْوَقْتُ وَالْجَمَاعَةُ، فَهُوَ أَوْلَى بِالظُّلْمِ. وَقِيلَ: الظَّالِمُ الَّذِي يُحِبُّ نَفْسَهُ، وَالْمُقْتَصِدُ الَّذِي يُحِبُّ دِينَهُ، وَالسَّابِقُ الَّذِي يُحِبُّ رَبَّهُ. وَقِيلَ: الظَّالِمُ الَّذِي يَنْتَصِفُ وَلَا يُنْصِفُ، وَالْمُقْتَصِدُ الَّذِي يَنْتَصِفُ وَيُنْصِفُ، وَالسَّابِقُ الَّذِي يُنْصِفُ وَلَا يَنْتَصِفُ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: السَّابِقُ الَّذِي أَسْلَمَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَالْمُقْتَصِدُ مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، وَالظَّالِمُ مَنْ لَمْ يُسْلِمْ إِلَّا بِالسَّيْفِ، وَهُمْ كُلُّهُمْ مَغْفُورٌ لَهُمْ. قُلْتُ: ذَكَرَ هَذِهِ الْأَقْوَالَ وَزِيَادَةً عَلَيْهَا الثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَهُمْ طَرَفَانِ وَوَاسِطَةٌ، وَهُوَ الْمُقْتَصِدُ الْمُلَازِمُ لِلْقَصْدِ وَهُوَ تَرْكُ الْمَيْلِ، وَمِنْهُ قَوْلُ جَابِرِ بْنِ حُنَيٍّ الثعلبي:
نُعَاطِي الْمُلُوكَ السَّلْمَ مَا قَصَدُوا لَنَا | وَلَيْسَ عَلَيْنَا قَتْلُهُمْ بِمُحَرَّمِ |
النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ" [الحشر: ٢٠]. وَقِيلَ: قُدِّمَ الظَّالِمُ لِكَثْرَةِ الْفَاسِقِينَ مِنْهُمْ وَغَلَبَتِهِمْ وَأَنَّ الْمُقْتَصِدِينَ قَلِيلٌ بِالْإِضَافَةِ إِلَيْهِمْ، وَالسَّابِقِينَ أَقَلُّ مِنَ الْقَلِيلِ، ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْهُ غَيْرُهُ وَقِيلَ: قُدِّمَ الظَّالِمُ لِتَأْكِيدِ الرَّجَاءِ فِي حَقِّهِ، إذ ليس له شي يَتَّكِلُ عَلَيْهِ إِلَّا رَحْمَةَ رَبِّهِ. وَاتَّكَلَ الْمُقْتَصِدُ عَلَى حُسْنِ ظَنِّهِ، وَالسَّابِقُ عَلَى طَاعَتِهِ. وَقِيلَ: قدم الظالم لئلا ييئس مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَأُخِّرَ السَّابِقُ لِئَلَّا يُعْجَبَ بِعَمَلِهِ. وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الصَّادِقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قُدِّمَ الظَّالِمُ لِيُخْبِرَ أَنَّهُ لَا يُتَقَرَّبُ إِلَيْهِ إِلَّا بِصَرْفِ رَحْمَتَهُ وَكَرَمَهُ، وَأَنَّ الظُّلْمَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الِاصْطِفَائِيَّةِ إِذَا كَانَتْ ثَمَّ عِنَايَةٌ، ثُمَّ ثَنَّى بِالْمُقْتَصِدِينَ لِأَنَّهُمْ بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ، ثُمَّ خَتَمَ بِالسَّابِقِينَ لِئَلَّا يَأْمَنَ أَحَدٌ مَكْرَ اللَّهِ، وَكُلُّهُمْ فِي الجنة