(مَنِ اسْتَمَعَ إِلَى صَوْتِ غِنَاءٍ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ أَنْ يَسْمَعَ الرُّوحَانِيِّينَ). فَقِيلَ: وَمَنِ الرُّوحَانِيُّونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (قُرَّاءُ أَهْلِ الْجَنَّةِ) خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ التَّذْكِرَةِ مَعَ نَظَائِرِهِ: (فَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ، وَمَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ). إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ. وَكُلُّ ذَلِكَ صَحِيحُ الْمَعْنَى عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ هُنَاكَ. وَمِنْ رِوَايَةِ مَكْحُولٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ مَاتَ وَعِنْدَهُ جَارِيَةٌ مُغَنِّيَةٌ فَلَا تُصَلُّوا عَلَيْهِ). وَلِهَذِهِ الْآثَارِ وَغَيْرِهَا قَالَ الْعُلَمَاءُ بِتَحْرِيمِ الْغِنَاءِ. وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ:- الثَّانِيَةُ- وَهُوَ الْغِنَاءُ الْمُعْتَادُ عِنْدَ الْمُشْتَهِرِينَ بِهِ، الَّذِي يُحَرِّكُ النُّفُوسَ وَيَبْعَثُهَا عَلَى الْهَوَى وَالْغَزَلِ، وَالْمُجُونُ الَّذِي يُحَرِّكُ السَّاكِنَ وَيَبْعَثُ الْكَامِنَ فَهَذَا النَّوْعُ إِذَا كَانَ فِي شِعْرٌ يُشَبَّبُ فِيهِ بِذِكْرِ النِّسَاءِ وَوَصْفِ مَحَاسِنِهِنَّ وَذِكْرِ الْخُمُورِ وَالْمُحَرَّمَاتِ لَا يُخْتَلَفُ فِي تَحْرِيمِهِ، لِأَنَّهُ اللَّهْوُ وَالْغِنَاءُ الْمَذْمُومُ بِالِاتِّفَاقِ. فَأَمَّا مَا سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ فَيَجُوزُ الْقَلِيلُ مِنْهُ فِي أَوْقَاتِ الْفَرَحِ، كَالْعُرْسِ وَالْعِيدِ وَعِنْدَ التَّنْشِيطِ عَلَى الْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ، كَمَا كَانَ فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ وَحَدْوِ أَنْجَشَةَ «١» وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ. فَأَمَّا مَا ابْتَدَعَتْهُ الصُّوفِيَّةُ الْيَوْمَ مِنَ الْإِدْمَانِ عَلَى سَمَاعِ الْمَغَانِي بِالْآلَاتِ الْمُطْرِبَةِ مِنَ الشَّبَّابَاتِ «٢» والطار والمعازف والأوتار فحرام. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: فَأَمَّا طَبْلُ الْحَرْبِ فَلَا حَرَجَ فِيهِ، لِأَنَّهُ يُقِيمُ النُّفُوسَ وَيُرْهِبُ الْعَدُوَّ. وَفِي الْيَرَاعَةِ «٣» تَرَدُّدٌ. وَالدُّفُّ مُبَاحٌ. [الْجَوْهَرِيُّ «٤»: وَرُبَّمَا سَمَّوْا قَصَبَةَ الرَّاعِي الَّتِي يَزْمِرُ بِهَا هَيْرَعَةَ وَيَرَاعَةَ «٥»]. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: ضُرِبَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ دَخَلَ الْمَدِينَةَ، فَهَمَّ أَبُو بَكْرٍ بِالزَّجْرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (دَعْهُنَّ يَا أَبَا بَكْرٍ حَتَّى تَعْلَمَ الْيَهُودُ أَنَّ دِينَنَا فَسِيحٌ) فَكُنَّ يَضْرِبْنَ وَيَقُلْنَ: نَحْنُ بَنَاتُ النَّجَّارِ، حَبَّذَا مُحَمَّدٌ مِنْ جَارِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الطَّبْلَ فِي النِّكَاحِ كَالدُّفِّ، وَكَذَلِكَ الْآلَاتُ الْمُشْهِرَةُ لِلنِّكَاحِ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا فِيهِ بِمَا يَحْسُنُ مِنَ الْكَلَامِ وَلَمْ يكن فيه رفث.
(٢). الشبابة (بالتشديد): قصبة الزمر وهي مولدة.
(٣). اليراعة: مزمار الراعي.
(٤). ما بين المربعين ساقط من ج، ش. [..... ]
(٥). ما بين المربعين ساقط من ج، ش.