" ذِي الطَّوْلِ" ذِي الْمَنِّ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالطَّوْلُ بِالْفَتْحِ الْمَنُّ، يُقَالُ مِنْهُ طَالَ عَلَيْهِ وَتَطَوَّلَ عَلَيْهِ إِذَا امْتَنَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ:" ذِي الطَّوْلِ" ذِي التَّفَضُّلِ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَنِّ وَالتَّفَضُّلِ أَنَّ الْمَنَّ عَفْوٌ عَنْ ذَنْبٍ. وَالتَّفَضُّلُ إِحْسَانٌ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ. وَالطَّوْلُ مَأْخُوذٌ مِنَ الطِّوَلِ كَأَنَّهُ طَالَ بِإِنْعَامِهِ عَلَى غَيْرِهِ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ طَالَتْ مُدَّةُ إِنْعَامِهِ." لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ" أَيِ الْمَرْجِعُ. قَوْلُهُ تَعَالَى:" مَا يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا" سَجَّلَ سُبْحَانَهُ عَلَى الْمُجَادِلِينَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِالْكُفْرِ، وَالْمُرَادُ الْجِدَالُ بِالْبَاطِلِ، مِنَ الطَّعْنِ فِيهَا، وَالْقَصْدِ إِلَى إِدْحَاضِ الْحَقِّ، وَإِطْفَاءِ نُورِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:" وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ". [غافر: ٥]. فَأَمَّا الْجِدَالُ فِيهَا لِإِيضَاحِ مُلْتَبِسِهَا، وَحَلِّ مُشْكِلِهَا، وَمُقَادَحَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي اسْتِنْبَاطِ مَعَانِيهَا، وَرَدِّ أَهْلِ الزَّيْغِ بِهَا وَعَنْهَا، فَأَعْظَمُ جِهَادٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي [الْبَقَرَةِ] عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:" أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ" «١» [البقرة: ٢٥٨] مستوفى." فَلا يَغْرُرْكَ" وقرى:" فَلَا يَغُرْكَ"" تَقَلُّبُهُمْ" أَيْ تَصَرُّفُهُمْ" فِي الْبِلادِ" فإني إن أَمْهَلْتُهُمْ لَا أُهْمِلُهُمْ بَلْ أُعَاقِبُهُمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ تِجَارَتَهُمْ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الشَّامِ وإلى اليمن. وقيل:" فَلا يَغْرُرْكَ" مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ وَالسَّعَةِ فِي الرِّزْقِ فَإِنَّهُ مَتَاعٌ قَلِيلٌ فِي الدُّنْيَا. وقال الزجاج:" فَلا يَغْرُرْكَ" سَلَامَتُهُمْ بَعْدَ كُفْرِهِمْ فَإِنَّ عَاقِبَتَهُمُ الْهَلَاكُ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: آيَتَانِ مَا أَشَدَّهُمَا عَلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي الْقُرْآنِ: قَوْلُهُ:" مَا يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا"، وَقَوْلُهُ:" وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ" [البقرة: ١٧٦].
[سورة غافر (٤٠): الآيات ٥ الى ٩]
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (٥) وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ (٦) الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (٧) رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٨) وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٩)