وَيَقُولُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: وَيْلَكُمْ:" أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ" وَاللَّهِ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ، فَقُطِعَتْ إِحْدَى ضَفِيرَتَيْ أَبِي بَكْرٍ يَوْمَئِذٍ. فَقَالَ عَلِيٌّ: وَاللَّهِ لَيَوْمُ أَبِي بَكْرٍ خَيْرٌ مِنْ مُؤْمِنِ آلِ فِرْعَوْنَ، إِنَّ ذَلِكَ رَجُلٌ كَتَمَ إِيمَانَهُ، فَأَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ، وَهَذَا أبو بكر أظهر إيمانه وبذل مال وَدَمَهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قُلْتُ: قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّ ذَلِكَ رَجُلٌ كَتَمَ إِيمَانَهُ يُرِيدُ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ بِخِلَافِ الصِّدِّيقِ فَإِنَّهُ أَظْهَرَ إِيمَانَهُ وَلَمْ يَكْتُمْهُ، وَإِلَّا فَالْقُرْآنُ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ مُؤْمِنَ آلِ فِرْعَوْنَ أَظْهَرَ إِيمَانَهُ لَمَّا أَرَادُوا قَتْلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ. فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ أَيْضًا عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنها قالوا لها: ما أشد شي رَأَيْتِ الْمُشْرِكِينَ بَلَغُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَتْ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ قُعُودًا فِي الْمَسْجِدِ، وَيَتَذَاكَرُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَقُولُ فِي آلِهَتِهِمْ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامُوا إِلَيْهِ بِأَجْمَعِهِمْ وَكَانُوا إذا سألوه عن شي صَدَقَهُمْ، فَقَالُوا: أَلَسْتَ تَقُولُ كَذَا فِي آلِهَتِنَا قَالَ:" بَلَى" فَتَشَبَّثُوا فِيهِ بِأَجْمَعِهِمْ فَأَتَى الصَّرِيخُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ: أَدْرِكْ صَاحِبكَ. فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِنَا وَإِنَّ لَهُ غَدَائِرَ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ وَهُوَ يَقُولُ: وَيْلَكُمْ" أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ" فَلُهُوًّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقْبَلُوا عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَرَجَعَ إِلَيْنَا أَبُو بَكْرٍ فَجَعَلَ لَا يَمَسُّ شَيْئًا مِنْ غَدَائِرِهِ إِلَّا جَاءَ مَعَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، إِكْرَامٌ إِكْرَامٌ.
[سورة غافر (٤٠): الآيات ٢٩ الى ٣٣]
يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشادِ (٢٩) وَقالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (٣٠) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (٣١) وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (٣٢) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٣)


الصفحة التالية
Icon