وَفِي الْخَبَرِ: أَنَّ أَبَا ذُؤَيْبٍ كَانَ يَهْوَى امْرَأَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا أَسْلَمَ رَاوَدَتْهُ فَأَبَى وَأَنْشَأَ يَقُولُ:
فَلَيْسَ كَعَهْدِ الدَّارِ يَا أُمَّ مالك | وولكن أَحَاطَتْ بِالرِّقَابِ السَّلَاسِلُ |
وَعَادَ الْفَتَى كَالْكَهْلِ لَيْسَ بقائل | وسوى الْعَدْلِ شَيْئًا فَاسْتَرَاحَ الْعَوَاذِلُ «١» |
أَرَادَ مُنِعْنَا بِمَوَانِعِ الْإِسْلَامِ عَنْ تَعَاطِي الزِّنَى وَالْفِسْقِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ أَيْضًا: هَذَا ضَرْبُ مَثَلٍ، أَيْ حَبَسْنَاهُمْ عَنِ الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ" [الإسراء: ٢٩] وَقَالَ الضَّحَّاكُ. وَقِيلَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ صَارُوا فِي الِاسْتِكْبَارِ عَنِ الْحَقِّ كَمَنْ جُعِلَ فِي يَدِهِ غُلٌّ فَجُمِعَتْ إِلَى عُنُقِهِ، فَبَقِيَ رَافِعًا رَأْسَهُ لَا يَخْفِضُهُ، وَغَاضًّا بَصَرَهُ لَا يَفْتَحُهُ. وَالْمُتَكَبِّرُ يُوصَفُ بِانْتِصَابِ الْعُنُقِ. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: إِنَّ أَيْدِيَهُمْ لما علت عِنْدَ أَعْنَاقِهِمْ رَفَعَتِ الْأَغْلَالُ أَذْقَانَهُمْ وَرُءُوسَهُمْ صُعُدًا كَالْإِبِلِ تَرْفَعُ رُءُوسَهَا. وَهَذَا الْمَنْعُ بِخَلْقِ الْكُفْرِ فِي قُلُوبِ الْكُفَّارِ، وَعِنْدَ قَوْمٍ بِسَلْبِهِمُ التَّوْفِيقَ عُقُوبَةً لَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ. وَقِيلَ: الْآيَةُ إِشَارَةٌ إِلَى مَا يُفْعَلُ بِأَقْوَامٍ غَدًا فِي النَّارِ مِنْ وَضْعِ الْأَغْلَالِ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:" إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ" [غافر: ٧١] وَأَخْبَرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي." فَهُمْ مُقْمَحُونَ" تَقَدَّمَ تفسيره. وقال مجاهد:" مُقْمَحُونَ" مغلون عن كل خير.
[سورة يس (٣٦): الآيات ٩ الى ١١]
وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (٩) وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (١٠) إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (١١)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا" قَالَ مُقَاتِلٌ: لَمَّا عَادَ أَبُو جَهْلٍ إِلَى أَصْحَابِهِ، وَلَمْ يَصِلْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَقَطَ الْحَجَرُ مِنْ يَدِهِ، أَخَذَ