[سورة الصافات (٣٧): الآيات ٨٣ الى ٩٠]

وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ (٨٣) إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٤) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (٨٥) أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (٨٦) فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٨٧)
فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨) فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (٨٩) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (٩٠)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ" قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ عَلَى مِنْهَاجِهِ وَسُنَّتِهِ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الشِّيعَةُ الْأَعْوَانُ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الشِّيَاعِ، وَهُوَ الْحَطَبُ الصِّغَارُ الَّذِي يوقد مع الكبا ر حَتَّى يُسْتَوْقَدَ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَالْفَرَّاءُ: الْمَعْنَى وَإِنَّ مِنْ شِيعَةِ مُحَمَّدٍ لَإِبْرَاهِيمَ. فَالْهَاءُ فِي" شِيعَتِهِ" عَلَى هَذَا لِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَعَلَى الْأَوَّلِ لِنُوحٍ وَهُوَ أَظْهَرُ، لِأَنَّهُ هُوَ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا، وَمَا كَانَ بَيْنَ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ إِلَّا نَبِيَّانِ هُودٌ وَصَالِحٌ، وَكَانَ بَيْنَ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ أَلْفَانِ وَسِتُّمِائَةٍ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً، حَكَاهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. قَوْلُهُ تَعَالَى:" إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ" أَيْ مُخْلِصٍ مِنَ الشِّرْكِ وَالشَّكِّ. وَقَالَ عَوْفٌ الْأَعْرَابِيُّ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ مَا الْقَلْبُ السَّلِيمُ؟ فَقَالَ: النَّاصِحُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي خَلْقِهِ. وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ عَنْ غَالِبٍ الْقَطَّانِ وَعَوْفٍ وَغَيْرِهِمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِلْحَجَّاجِ: مِسْكِينٌ أَبُو مُحَمَّدٍ! إِنْ عَذَّبَهُ اللَّهُ فَبِذَنْبِهِ، وَإِنْ غَفَرَ لَهُ فَهَنِيئًا لَهُ، وَإِنْ كَانَ قَلْبُهُ سَلِيمًا فَقَدْ أَصَابَ الذُّنُوبَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ. قَالَ عَوْفٌ: فَقُلْتُ لِمُحَمَّدٍ مَا الْقَلْبُ السَّلِيمُ؟ قَالَ: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ حَقٌّ، وَأَنَّ السَّاعَةَ قَائِمَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ. وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: كَانَ أَبِي يَقُولُ لَنَا: يَا بَنِيَّ لَا تَكُونُوا لَعَّانِينَ، أَلَمْ تَرَوْا إِلَى إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَلْعَنْ شَيْئًا قَطُّ، فَقَالَ تَعَالَى:" إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ". وَيَحْتَمِلُ مَجِيئُهُ إِلَى رَبِّهِ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا عِنْدَ دُعَائِهِ إِلَى تَوْحِيدِهِ وَطَاعَتِهِ، الثَّانِي عِنْدَ إِلْقَائِهِ فِي النَّارِ." إِذْ قالَ لِأَبِيهِ" وَهُوَ آزَرُ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ «١» فِيهِ." وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ" تَكُونُ" مَا" فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ وَ" ذَا" خَبَرَهُ وَيَجُوزُ أَنْ تكون
(١). راجع ج ٧ ص ٢٢ طبعه أولى أو ثانية. [..... ]


الصفحة التالية
Icon