قَوْلُهُمْ:" إِنَّا مُؤْمِنُونَ" بَعْدَ ظُهُورِ الْعَذَابِ غَدًا أَوْ بَعْدَ ظُهُورِ أَعْلَامِ السَّاعَةِ، فَقَدْ صَارَتِ الْمَعَارِفُ ضَرُورِيَّةً. وَهَذَا إِذَا جَعَلْتَ الدُّخَانَ آيَةً مُرْتَقِبَةً." وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ" أَيْ عَلَّمَهُ بَشَرٌ أَوْ عَلَّمَهُ الْكَهَنَةُ وَالشَّيَاطِينُ، ثُمَّ هُوَ مَجْنُونٌ وليس برسول.
[سورة الدخان (٤٤): آية ١٥]
إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ (١٥)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا" أَيْ وَقْتًا قَلِيلًا، وَعَدَ أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُمْ ذَلِكَ الْعَذَابَ قَلِيلًا، أَيْ فِي زَمَانٍ قَلِيلٍ لِيَعْلَمَ أَنَّهُمْ لَا يَفُونَ بِقَوْلِهِمْ، بَلْ يَعُودُونَ إِلَى الْكُفْرِ بَعْدَ كَشْفِهِ، قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ. فَلَمَّا كَشَفَ ذلك عنهم باستسقاء النبي صلى لهم الله عليه وسلم عَادُوا إِلَى تَكْذِيبِهِ. وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الدُّخَانَ مُنْتَظِرٌ قَالَ: أَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا يَكُونُ مِنَ الْفُرْجَةِ بَيْنَ آيَةٍ وَآيَةٍ مِنْ آيَاتِ قِيَامِ السَّاعَةِ. ثُمَّ مَنْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ يَسْتَمِرُّ عَلَى كُفْرِهِ. وَمَنْ قَالَ هَذَا فِي الْقِيَامَةِ قَالَ: أَيْ لَوْ كَشَفْنَا عَنْكُمُ الْعَذَابَ لَعُدْتُمْ إِلَى الْكُفْرِ. وَقِيلَ: مَعْنَى" إِنَّكُمْ عائِدُونَ" إِلَيْنَا، أَيْ مَبْعُوثُونَ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى" إِنَّكُمْ عائِدُونَ" إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ إِنْ لَمْ تؤمنوا.
[سورة الدخان (٤٤): آية ١٦]
يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (١٦)
يَوْمَ" مَحْمُولٌ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ" مُنْتَقِمُونَ"، أَيْ نَنْتَقِمُ مِنْهُمْ يَوْمَ نَبْطِشُ. وَأَبْعَدَهُ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ بِسَبَبِ أَنَّ مَا بَعْدَ" إِنَّ" لَا يُفَسِّرُ مَا قَبْلَهَا. وَقِيلَ: إِنَّ الْعَامِلَ فِيهِ" مُنْتَقِمُونَ". وَهُوَ بَعِيدٌ أَيْضًا، لِأَنَّ مَا بَعْدَ" إِنَّ" لَا يَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَهَا. وَلَا يَحْسُنُ تعلقه بقوله:" عائِدُونَ" ولا بقوله:" إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ"، إِذْ لَيْسَ الْمَعْنَى عَلَيْهِ. وَيَجُوزُ نَصْبُهُ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ، كَأَنَّهُ قَالَ: ذَكِّرْهُمْ أَوِ اذْكُرْ. ويجوز أن يكون المعنى إنكم عَائِدُونَ، فَإِذَا عُدْتُمْ أَنْتَقِمُ مِنْكُمْ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى. وَلِهَذَا وَصَلَ هَذَا بِقِصَّةِ فِرْعَوْنَ، فَإِنَّهُمْ وَعَدُوا مُوسَى الْإِيمَانَ إِنْ كَشَفَ عَنْهُمُ الْعَذَابَ، ثُمَّ لَمْ يُؤْمِنُوا حَتَّى غَرِقُوا. وَقِيلَ:" إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ" كَلَامٌ تَامٌّ. ثُمَّ ابْتَدَأَ" يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ" أَيْ نَنْتَقِمُ مِنْ جَمِيعِ الْكُفَّارِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى وَارْتَقِبِ الدُّخَانَ وَارْتَقِبْ يَوْمَ نَبْطِشُ، فَحَذَفَ وَاوَ العطف،