وَقَدْ تَقَدَّمَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: رَضِيَتِ الْيَهُودُ بِحُكْمِ ابْنِ سَلَامٍ، وَقَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ يَشْهَدْ لَكَ آمَنَّا بِكَ، فَسُئِلَ فَشَهِدَ ثُمَّ أَسْلَمَ." عَلى مِثْلِهِ" أَيْ عَلَى مِثْلِ مَا جِئْتُكُمْ بِهِ، فَشَهِدَ مُوسَى عَلَى التَّوْرَاةِ وَمُحَمَّدٌ عَلَى الْقُرْآنِ. وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ." مِثْلِ" صِلَةٌ، أَيْ وَشَهِدَ شَاهِدٌ عَلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ." فَآمَنَ" أَيْ هَذَا الشَّاهِدُ." وَاسْتَكْبَرْتُمْ" أَنْتُمْ عَنِ الْإِيمَانِ. وَجَوَابُ" إِنْ كانَ" محذوف تقديره: فآمن أتؤمنون، قاله الزَّجَّاجُ. وَقِيلَ:" فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ" أَلَيْسَ قَدْ ظَلَمْتُمْ، يُبَيِّنُهُ" إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" وقيل:" فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ" أفتأمنون عذاب الله. و" أَرَأَيْتُمْ" لَفْظٌ مَوْضُوعٌ لِلسُّؤَالِ وَالِاسْتِفْهَامِ، وَلِذَلِكَ لَا يَقْتَضِي مَفْعُولًا. وَحَكَى النَّقَّاشُ وَغَيْرُهُ: أَنَّ فِي الْآيَةِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا، وَتَقْدِيرُهُ: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَآمَنَ هُوَ وَكَفَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يهدي القوم الظالمين.
[سورة الأحقاف (٤٦): آية ١١]
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً مَا سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ (١١)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً مَا سَبَقُونا إِلَيْهِ" اخْتُلِفَ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا عَلَى سِتَّةِ «١» أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ- أَنَّ أَبَا ذَرٍّ الْغِفَارِيَّ دَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْإِسْلَامِ بِمَكَّةَ فَأَجَابَ، وَاسْتَجَارَ بِهِ قَوْمُهُ فَأَتَاهُ زَعِيمُهُمْ فَأَسْلَمَ، ثُمَّ دَعَاهُمُ الزَّعِيمُ فَأَسْلَمُوا، فَبَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا فَقَالُوا: غِفَارٌ الْحُلَفَاءُ لَوْ كَانَ هَذَا خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، قَالَهُ أَبُو الْمُتَوَكِّلِ. الثَّانِي- أَنَّ زِنِّيرَةَ «٢» أَسْلَمَتْ فَأُصِيبَ بَصَرُهَا فَقَالُوا لَهَا: أَصَابَكِ اللَّاتُ وَالْعُزَّى، فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهَا بَصَرَهَا. فَقَالَ عُظَمَاءُ قُرَيْشٍ: لَوْ كَانَ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ خَيْرًا مَا سَبَقَتْنَا إِلَيْهِ زِنِّيرَةُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، قَالَهُ عُرْوَةُ بن الزبير.

(١). كذا في نسخ الأصل. ويلاحظ أن المؤلف رحمه الله ذكر خمسة أقوال.
(٢). زنيرة (بكسر الزاي وتشديد النون المكسورة): رومية، وكانت من السابقات إلى الإسلام، وممن يعذب في الله، وكان أبو جهل يعذبها، وهي من السبعة الذين اشتراهم أبو بكر الصديق وأنقذهم من التعذيب. [..... ]


الصفحة التالية
Icon