لِتَشَعُّبِهِمْ وَاجْتِمَاعِهِمْ كَشَعْبِ أَغْصَانِ الشَّجَرَةِ. وَالشَّعْبُ مِنَ الْأَضْدَادِ، يُقَالُ شَعَّبْتُهُ إِذَا جَمَعْتُهُ، وَمِنْهُ الْمِشْعَبُ (بِكَسْرِ الْمِيمِ) وَهُوَ الْإِشْفَى، لِأَنَّهُ يُجْمَعُ بِهِ وَيُشَعَّبُ. قَالَ:

فَكَابٍ عَلَى حُرِّ الْجَبِينِ وَمُتَّقٍ بِمَدْرِيَةٍ كَأَنَّهُ ذَلْقُ مِشْعَبِ «١»
وَشَعَبْتَهُ إِذَا فَرَّقْتَهُ، وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الْمَنِيَّةُ شَعُوبًا لِأَنَّهَا مُفَرِّقَةٌ. فَأَمَّا الشِّعْبُ (بِالْكَسْرِ) فَهُوَ الطَّرِيقُ فِي الْجَبَلِ، وَالْجَمْعُ الشِّعَابُ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الشِّعْبُ: مَا تَشَعَّبَ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، وَالْجَمْعُ الشُّعُوبُ. وَالشُّعُوبِيَّةُ: فِرْقَةٌ لَا تُفَضِّلُ الْعَرَبَ عَلَى الْعَجَمِ. وَأَمَّا الَّذِي فِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الشُّعُوبِ أَسْلَمَ «٢»، فَإِنَّهُ يَعْنِي مِنَ الْعَجَمِ. وَالشَّعْبُ: الْقَبِيلَةُ الْعَظِيمَةُ، وَهُوَ أَبُو الْقَبَائِلِ الَّذِي يُنْسَبُونَ إِلَيْهِ، أَيْ يَجْمَعُهُمْ وَيَضُمُّهُمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الشُّعُوبُ الْجُمْهُورُ «٣»، مِثْلُ مُضَرَ. وَالْقَبَائِلُ الْأَفْخَاذُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الشُّعُوبُ الْبَعِيدُ مِنَ النَّسَبِ، وَالْقَبَائِلُ دُونَ ذَلِكَ. وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّ الشُّعُوبَ النَّسَبُ الْأَقْرَبُ. وَقَالَهُ قَتَادَةُ. ذَكَرَ الْأَوَّلَ عَنْهُ الْمَهْدَوِيُّ، وَالثَّانِي الْمَاوَرْدِيُّ. قَالَ الشاعر «٤»:
رَأَيْتُ سُعُودًا مِنْ شُعُوبٍ كَثِيرَةٍ فَلَمْ أَرَ سَعْدًا مِثْلَ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ
وَقَالَ آخَرُ:
قَبَائِلُ مِنْ شُعُوبٍ لَيْسَ فِيهِمْ كَرِيمٌ قَدْ يُعَدُّ وَلَا نَجِيبُ
وَقِيلَ: إِنَّ الشُّعُوبَ عَرَبُ الْيَمَنِ مِنْ قَحْطَانَ، وَالْقَبَائِلُ مِنْ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ وَسَائِرِ عَدْنَانَ. وَقِيلَ: إِنَّ الشُّعُوبَ بُطُونُ الْعَجَمِ، وَالْقَبَائِلُ بُطُونُ الْعَرَبِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ: إِنَّ الشُّعُوبَ الْمَوَالِي، وَالْقَبَائِلُ الْعَرَبَ. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَعَلَى هَذَا فَالشُّعُوبُ مَنْ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ أَصْلُ نَسَبٍ كَالْهِنْدِ وَالْجَبَلِ «٥» وَالتُّرْكِ، وَالْقَبَائِلُ من العرب. الماوردي: ويحتمل أن
(١). قوله:"
فكاب على حر الجبين
" أي خار على وجهه. و" المدرية": القرن، وهي المدري والمدراة، والجمع مدار ومداري. و" ذلق" ذلق كل شي: حده. و" مشعب" مثقب.
(٢). تمام الحديث كما في اللسان:" فكانت تؤخذ منه الجزية، فأمر عمر ألا تؤخذ منه".
(٣). هذا القول منسوب إلى ابن جبير. والمأثور عن ابن عباس أن" الشعوب الجماع" والجماع (بضم الجيم وتشديد الميم): مجتمع أصل كل شي.. أراد: منشأ النسب واصل المولد. وقيل: أراد به الفرق المختلفة من الناس.
(٤). هو طرفة بن العبد.
(٥). الجبل: الامة من الخلق والجماعة من الناس، وفية لغات كثيرة. راجع ج ١٥ ص ٤٧ من هذا التفسير.


الصفحة التالية
Icon