الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةً، فَانْشَقَّ الْقَمَرُ بِمَكَّةَ مَرَّتَيْنِ فَنَزَلَتْ: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) إِلَى قَوْلِهِ: (سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) يَقُولُ ذَاهِبٌ قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حديث حسن صحيح. ولفظ البخاري عن أنسى قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ فِرْقَتَيْنِ. وَقَالَ قَوْمٌ: لَمْ يَقَعِ انْشِقَاقُ الْقَمَرِ بَعْدُ وَهُوَ مُنْتَظَرٌ، أَيِ اقْتَرَبَ قِيَامُ السَّاعَةِ وَانْشِقَاقُ الْقَمَرِ، وَأَنَّ السَّاعَةَ إِذَا قَامَتِ انْشَقَّتِ السَّمَاءُ بِمَا فِيهَا مِنَ الْقَمَرِ وَغَيْرِهِ. وَكَذَا قَالَ الْقُشَيْرِيُّ. وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ: لِأَنَّهُ إِذَا انْشَقَّ مَا بَقِيَ أَحَدٌ إِلَّا رَآهُ، لِأَنَّهُ آيَةٌ وَالنَّاسُ فِي الْآيَاتِ سَوَاءٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ فَإِذَا جَاءَتِ انْشَقَّ الْقَمَرُ بَعْدَ النَّفْخَةِ الثَّانِيَةِ. وَقِيلَ: (وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) أَيْ وَضَحَ الْأَمْرُ وَظَهَرَ، وَالْعَرَبُ تَضْرِبُ بِالْقَمَرِ مَثَلًا فِيمَا وَضَحَ، قَالَ:

أَقِيمُوا بَنِي أُمِّي صُدُورَ مَطِيِّكُمْ فَإِنِّي إِلَى حَيٍّ سِوَاكُمْ لَأَمْيَلُ
فَقَدْ حُمَّتِ الْحَاجَاتُ وَاللَّيْلُ مُقْمِرٌ وَشُدَّتْ لِطِيَّاتٍ مَطَايَا وَأَرْحُلُ
وَقِيلَ: انْشِقَاقُ الْقَمَرِ هُوَ انْشِقَاقُ «١» الظُّلْمَةِ عَنْهُ بِطُلُوعِهِ فِي أَثْنَائِهَا، كَمَا يُسَمَّى الصُّبْحُ فَلْقًا، لِانْفِلَاقِ الظُّلْمَةِ عَنْهُ. وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنِ انْفِلَاقِهِ بِانْشِقَاقِهِ كَمَا قَالَ النَّابِغَةُ:
فَلَمَّا أَدْبَرُوا وَلَهُمْ دَوِيٌّ دَعَانَا عِنْدَ شَقِّ الصُّبْحِ دَاعِ
قُلْتُ: وَقَدْ ثَبَتَ بِنَقْلِ الْآحَادِ الْعُدُولِ أَنَّ الْقَمَرَ انْشَقَّ بِمَكَّةَ، وَهُوَ ظَاهِرُ التَّنْزِيلِ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَسْتَوِيَ النَّاسُ فِيهَا، لِأَنَّهَا كَانَتْ آيَةً لَيْلِيَّةً، وَأَنَّهَا كَانَتْ بِاسْتِدْعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ التَّحَدِّي. فَرُوِيَ أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حِينَ أَسْلَمَ غَضَبًا مِنْ سَبِّ أَبِي جَهْلٍ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَبَ أَنْ يُرِيَهُ آيَةً يَزْدَادُ بِهَا يَقِينًا فِي إِيمَانِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ هُمُ الَّذِينَ سَأَلُوا وَطَلَبُوا أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً، فَأَرَاهُمُ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ فِلْقَتَيْنِ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ. وَعَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ خَطَبَ بِالْمَدَائِنِ ثُمَّ قَالَ: أَلَا إِنَّ السَّاعَةَ قَدِ اقْتَرَبَتْ، وَأَنَّ الْقَمَرَ قَدِ انْشَقَّ عَلَى عَهْدِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ قِيلَ: هُوَ على
(١). في تفسير الجمل نقلا عن القرطبي: (زوال الظلمة).


الصفحة التالية
Icon