هَذِهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَقَدْ صَدَقَ نَوْءُ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ- حَتَّى بَلَغَ-) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ. وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فِي سَفَرٍ فَعَطِشُوا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَرَأَيْتُمْ إِنْ دَعَوْتُ اللَّهَ لَكُمْ فَسُقِيتُمْ لَعَلَّكُمْ تَقُولُونَ هَذَا الْمَطَرُ بِنَوْءِ كَذَا) فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا بِحِينِ الْأَنْوَاءِ. فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَدَعَا رَبَّهُ فَهَاجَتْ رِيحٌ ثُمَّ هَاجَتْ سَحَابَةٌ فَمُطِرُوا، فَمَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بِرَجُلٍ يَغْتَرِفُ بِقَدَحٍ لَهُ وَهُوَ يَقُولُ سُقِينَا بِنَوْءِ كَذَا، وَلَمْ يَقُلْ هَذَا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ فَنَزَلَتْ: (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) أَيْ شُكْرَكُمْ لِلَّهِ عَلَى رِزْقِهِ إِيَّاكُمْ (أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) بِالنِّعْمَةِ وَتَقُولُونَ سُقِينَا بِنَوْءِ كَذَا، كَقَوْلِكَ: جَعَلْتَ إِحْسَانِي إِلَيْكَ إِسَاءَةً مِنْكَ إِلَيَّ، وَجَعَلْتَ إِنْعَامِي لَدَيْكَ أَنِ اتَّخَذْتَنِي عَدُوًّا. وَفِي الْمُوَطَّإِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ الله صلى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ «١» سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ وَقَالَ: (أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ) قالوا: الله ورسول أَعْلَمُ، قَالَ: (أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ كَافِرٌ بِي (. قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا أُحِبُّ أَحَدًا أَنْ يَقُولَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، وَإِنْ كَانَ النَّوْءُ عِنْدَنَا الْوَقْتُ الْمَخْلُوقُ لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ، وَلَا يُمْطِرُ وَلَا يَحْبِسُ شَيْئًا مِنَ الْمَطَرِ، وَالَّذِي أُحِبُّ أَنْ يَقُولَ: مُطِرْنَا وَقْتَ كَذَا كَمَا تَقُولُ مُطِرْنَا شَهْرَ كَذَا، وَمَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا، وَهُوَ يُرِيدُ أَنَّ النَّوْءَ أَنْزَلَ الْمَاءَ، كَمَا عَنَى بَعْضُ أَهْلِ الشِّرْكِ مِنَ الْجَاهِلِيَّةِ بِقَوْلِهِ فَهُوَ كَافِرٌ، حَلَالٌ دَمُهُ إِنْ لَمْ يَتُبْ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَاكِيًا عَنِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ: (أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ) فَمَعْنَاهُ عِنْدِي عَلَى وَجْهَيْنِ: أَمَّا أَحَدُهُمَا فَإِنَّ الْمُعْتَقِدَ بِأَنَّ النَّوْءَ هُوَ الْمُوجِبُ لِنُزُولِ الْمَاءِ، وَهُوَ الْمُنْشِئُ لِلسَّحَابِ دُونَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَذَلِكَ كَافِرٌ كُفْرًا صَرِيحًا «٢» يَجِبُ اسْتِتَابَتُهُ عَلَيْهِ وَقَتْلُهُ [إِنْ «٣» أَبَى] لِنَبْذِهِ الإسلام ورده القرآن. والوجه الآخر أن

(١). على اثر سماء: أي بعد مطر. وفى (اثر) لغتان: كسر الهمزة وسكون الثاء وفتحهما.
(٢). في ب: (صراحا).
(٣). زيادة يقتضيها السياق.


الصفحة التالية
Icon