الْأَشَجِّ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا، وَهُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَشْهَدُ لَهُ، لِأَنَّهُ قَالَ: (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا) أَيْ إِلَى قَوْلِ مَا قَالُوا. وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا) هُوَ أَنْ يَقُولَ لَهَا أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي. فَإِذَا قَالَ لَهَا ذَلِكَ فَلَيْسَتْ تَحِلُّ لَهُ حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: فَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ الْعَوْدُ إِلَى لَفْظِ الظِّهَارِ فَهُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا لَا يَصِحُّ عَنْ بُكَيْرٍ، وَإِنَّمَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جَهَالَةِ دَاوُدَ وَأَشْيَاعِهِ. وَقَدْ رُوِيَتْ قَصَصُ الْمُتَظَاهِرِينَ وَلَيْسَ فِي ذِكْرِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِمْ ذِكْرٌ لِعَوْدِ الْقَوْلِ مِنْهُمْ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَعْنَى يَنْقُضُهُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَهُ بِأَنَّهُ مُنْكَرٌ مِنَ الْقَوْلِ وَزُورٌ، فَكَيْفَ يُقَالُ لَهُ إِذَا أَعَدْتَ الْقَوْلَ الْمُحَرَّمَ وَالسَّبَبَ الْمَحْظُورَ وَجَبَتْ عَلَيْكَ الْكَفَّارَةُ، وَهَذَا لَا يُعْقَلُ، أَلَا تَرَى أَنَّ كُلَّ سَبَبٍ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ لَا تشترط فيه الإعادة من قتل ووطئ فِي صَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ. قُلْتُ: قَوْلٌ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جَهَالَةِ دَاوُدَ وَأَشْيَاعِهِ حُمِلَ مِنْهُ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ بِقَوْلِ دَاوُدَ مَنْ ذَكَرْنَاهُ عَنْهُمْ، وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: بِأَنَّهُ تَرَكَ الطَّلَاقَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَيَنْقُضُهُ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ أُمَّهَاتٍ: الْأَوَّلُ- أَنَّهُ قَالَ: (ثُمَّ) وَهَذَا بِظَاهِرِهِ يَقْتَضِي التَّرَاخِيَ. الثَّانِي- أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: (ثُمَّ يَعُودُونَ) يَقْتَضِي وُجُودَ فِعْلٍ مِنْ جِهَةٍ وَمُرُورُ الزَّمَانِ لَيْسَ بِفِعْلٍ مِنْهُ. الثَّالِثُ- أَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُنَافِي الْبَقَاءَ عَلَى الْمِلْكِ فَلَمْ يَسْقُطْ حُكْمُ الظِّهَارِ كَالْإِيلَاءِ. فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا رَآهَا كَالْأُمِّ لَمْ يُمْسِكْهَا إِذْ لَا يَصِحُّ إِمْسَاكُ الْأُمِّ بِالنِّكَاحِ. وَهَذِهِ عُمْدَةُ أَهْلِ مَا وَرَاءِ النَّهَرِ. قُلْنَا: إِذَا عَزَمَ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ وَرَآهَا خِلَافَ الْأُمِّ كَفَّرَ وَعَادَ إِلَى أَهْلِهِ. وَتَحْقِيقُ هَذَا الْقَوْلِ: أَنَّ الْعَزْمَ قَوْلٌ نَفْسِيٌّ، وَهَذَا رَجُلٌ قَالَ قَوْلًا اقْتَضَى التَّحْلِيلَ وَهُوَ النِّكَاحُ، وَقَالَ قَوْلًا اقْتَضَى التَّحْرِيمَ وَهُوَ الظِّهَارُ، ثُمَّ عَادَ لِمَا قَالَ وَهُوَ التَّحْلِيلُ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ ابْتِدَاءُ عَقْدٍ، لِأَنَّ الْعَقْدَ بَاقٍ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنَّهُ قَوْلُ عَزْمٍ يُخَالِفُ مَا
اعْتَقَدَهُ وَقَالَهُ فِي نَفْسِهِ مِنَ الظِّهَارِ الَّذِي أَخْبَرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَفَّرَ وَعَادَ إِلَى أَهْلِهِ، لِقَوْلِهِ: (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا). وَهَذَا تَفْسِيرٌ بَالِغٌ [فِي فنه «١»].