نُطْقِكَ، فَكَأَنَّهُ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ. وَقَوْلُ سِيبَوَيْهِ: إِنَّهُ مَبْنِيٌّ بُنِيَ حِينَ أُضِيفَ إِلَى غَيْرِ مُتَمَكِّنٍ وَ (مَا) زَائِدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ. الْمَازِنِيُّ: (مِثْلَ) مع (ما) بمنزلة شي وَاحِدٍ فَبُنِيَ عَلَى الْفَتْحِ لِذَلِكَ. وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ، قَالَ: وَلِأَنَّ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَجْعَلُ مِثْلًا مَنْصُوبًا أَبَدًا، فَتَقُولُ: قَالَ لِي رَجُلٌ مِثْلَكَ، وَمَرَرْتُ بِرَجُلٍ مِثْلَكَ بِنَصْبِ [مِثْلٍ عَلَى مَعْنَى كَمِثْلِ «١»]. وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَالْأَعْمَشُ (مِثْلُ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةُ لَحَقٌّ، لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ وَإِنْ أُضِيفَ إِلَى مَعْرِفَةٍ، إِذْ لَا يَخْتَصُّ بِالْإِضَافَةِ لِكَثْرَةِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يَقَعُ بَعْدَهَا التَّمَاثُلُ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ. وَ (مِثْلَ) مُضَافٌ إِلَى (أَنَّكُمْ) وَ (مَا) زَائِدَةٌ وَلَا تَكُونُ مَعَ مَا بَعْدَهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَصْدَرِ إذ لا فعل معها تَكُونُ مَعَهُ مَصْدَرًا. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بَدَلًا من (لَحَقٌّ).
[سورة الذاريات (٥١): الآيات ٢٤ الى ٢٨]
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (٢٤) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٢٥) فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (٢٦) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٢٧) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (٢٨)
قوله تعالى: (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ) ذَكَرَ قِصَّةَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِيُبَيِّنَ بِهَا أَنَّهُ أَهْلَكَ الْمُكَذِّبَ بِآيَاتِهِ كَمَا فَعَلَ بِقَوْمِ لُوطٍ. (هَلْ أَتاكَ) أَيْ أَلَمْ يَأْتِكَ. وَقِيلَ: (هَلْ) بِمَعْنَى قَدْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) «٢». وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ فِي (هُودٍ) «٣» (والحجر) «٤». (الْمُكْرَمِينَ) أَيْ عِنْدَ اللَّهِ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) «٥» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ- زَادَ عُثْمَانُ بْنُ حُصَيْنٍ- وَرَفَائِيلَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: كَانَ جِبْرِيلُ وَمَعَهُ تِسْعَةٌ. وَقَالَ عَطَاءٌ وَجَمَاعَةٌ: كَانُوا ثَلَاثَةً جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَمَعَهُمَا مَلَكٌ آخر.

(١). الزيادة من اعراب القرآن للنحاس.
(٢). راجع ج ١٩ ص (١١٦)
(٣). راجع ج ٩ ص (٦٢)
(٤). راجع ج ١٠ ص (٣٥)
(٥). راجع ج ١١ ص ٢٨١


الصفحة التالية
Icon