(فَوَيْلٌ) كَلِمَةٌ تُقَالُ لِلْهَالِكِ، وَإِنَّمَا دَخَلَتِ الْفَاءُ لِأَنَّ فِي الْكَلَامِ مَعْنَى الْمُجَازَاةِ. (الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ) أَيْ فِي تَرَدُّدٍ فِي الْبَاطِلِ، وَهُوَ خَوْضُهُمْ فِي أَمْرِ مُحَمَّدٍ بِالتَّكْذِيبِ. وَقِيلَ: فِي خَوْضٍ فِي أَسْبَابِ الدُّنْيَا يَلْعَبُونَ لَا يَذْكُرُونَ حِسَابًا وَلَا جَزَاءً. وَقَدْ مَضَى فِي (بَرَاءَةٌ) «١». قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَوْمَ يُدَعُّونَ) (يَوْمَ) بَدَلٌ مِنْ يَوْمَئِذٍ. وَ (يُدَعُّونَ) مَعْنَاهُ يُدْفَعُونَ إِلَى جَهَنَّمَ بِشِدَّةٍ وَعُنْفٍ، يُقَالُ: دَعَعْتُهُ أَدُعُّهُ دَعًّا أَيْ دَفَعْتُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) «٢». وَفِي التَّفْسِيرِ: إِنَّ خَزَنَةَ جَهَنَّمَ يَغُلُّونَ أَيْدِيَهُمْ إِلَى أَعْنَاقِهِمْ، وَيَجْمَعُونَ نَوَاصِيَهُمْ إِلَى أَقْدَامِهِمْ، ثُمَّ يَدْفَعُونَهُمْ فِي النَّارِ دَفْعًا عَلَى وُجُوهِهِمْ، وَزَخًّا فِي أَعْنَاقِهِمْ حَتَّى يَرِدُوا النَّارَ. وقرا أبو رجاء العطاردي وابن السميقع (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) بِالتَّخْفِيفِ مِنَ الدُّعَاءِ فَإِذَا دَنَوْا مِنَ النَّارِ قَالَتْ لَهُمُ الْخَزَنَةُ: (هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) فِي الدُّنْيَا. قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَفَسِحْرٌ هَذَا) اسْتِفْهَامٌ مَعْنَاهُ التَّوْبِيخُ وَالتَّقْرِيعُ، أَيْ يُقَالُ لَهُمْ: (أَفَسِحْرٌ هَذَا) الَّذِي تَرَوْنَ الْآنَ بِأَعْيُنِكُمْ (أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ). وَقِيلَ: (أَمْ) بِمَعْنَى بَلْ، أَيْ بَلْ كُنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ فِي الدُّنْيَا وَلَا تَعْقِلُونَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (اصْلَوْها) أَيْ تَقُولُ لَهُمُ الْخَزَنَةُ ذُوقُوا حَرَّهَا بِالدُّخُولِ فِيهَا. (فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ لَكُمْ فِيهَا صَبْرٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَ (سَواءٌ) خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، أَيْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمُ الجزع والصبر فلا ينفعكم شي، كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا) «٣». (إِنَّما تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
[سورة الطور (٥٢): الآيات ١٧ الى ٢٠]
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (١٧) فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (١٨) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٩) مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٢٠)

(١). راجع ج ٨ ص (٢٠١)
(٢). راجع ج ٢٠ ص (٢١١)
(٣). راجع ج ٩ ص ٣٥٥ [..... ]


الصفحة التالية
Icon