وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: الْمَعْنَى حِينَ تَقُومُ مِنْ نَوْمِ الْقَائِلَةِ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَمَّا نَوْمُ الْقَائِلَةِ فَلَيْسَ فِيهِ أَثَرٌ وَهُوَ مُلْحَقٌ بِنَوْمِ اللَّيْلِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: إِنَّهُ التَّسْبِيحُ فِي الصَّلَاةِ إِذَا قَامَ إِلَيْهَا. الْمَاوَرْدِيُّ: وَفِي هَذَا التَّسْبِيحِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ قَوْلُهُ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ فِي الرُّكُوعِ وَسُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى فِي السُّجُودِ. الثَّانِي أَنَّهُ التَّوَجُّهُ فِي الصَّلَاةِ يَقُولُ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مَنْ قَالَ إِنَّهُ التَّسْبِيحُ لِلصَّلَاةِ فَهَذَا أَفْضَلُهُ، وَالْآثَارُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ أَعْظَمُهَا مَا ثَبَتَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ: (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ) الْحَدِيثَ. وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَغَيْرُهُ فِي آخِرِ سُورَةِ (الْأَنْعَامِ) «١». وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي، فَقَالَ: (قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ). الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ) تَقَدَّمَ فِي (ق) «٢» مُسْتَوْفًى عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ). وَأَمَّا (إِدْبارَ النُّجُومِ) فَقَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرٌ وَأَنَسٌ: يَعْنِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ. فَحَمَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْآيَةَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ عَلَى النَّدْبِ وَجَعَلَهَا مَنْسُوخَةً بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ. وَعَنِ الضَّحَّاكِ وَابْنِ زَيْدٍ: أَنَّ قَوْلَهُ: (وَإِدْبارَ النُّجُومِ) يُرِيدُ بِهِ صَلَاةَ الصُّبْحِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّبَرِيُّ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ التَّسْبِيحُ فِي آخِرِ الصَّلَوَاتِ. وَبِكَسْرِ الْهَمْزَةِ فِي (إِدْبارَ النُّجُومِ) قَرَأَ السَّبْعَةُ عَلَى الْمَصْدَرِ حَسَبَ مَا بَيَّنَّاهُ فِي (ق). وَقَرَأَ سَالِمُ بْنُ أبي الجعد ومحمد بن السميقع (وَأَدْبَارَ) بِالْفَتْحِ، وَمِثْلُهُ رُوِيَ عَنْ يَعْقُوبَ وَسَلَّامٍ وَأَيُّوبَ، وَهُوَ جَمْعُ دُبْرٍ وَدُبُرٍ. وَدُبْرُ الْأَمْرِ وَدُبُرُهُ آخِرُهُ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ، عَنْ رِشْدِينَ بْنِ كُرَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِدْبارَ النُّجُومِ الرَّكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَإِدْبَارُ السُّجُودِ الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ)
(٢). راجع ص ٦٥ من هذا الجزء.