فِيهِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ)»
الْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خُوطِبَ بِلَفْظِ الْجَمَاعَةِ تَعْظِيمًا وَتَفْخِيمًا. وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَّقَ حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا. وَرَوَى قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَأَتَتْ أَهْلَهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ. وَقِيلَ لَهُ: رَاجِعْهَا فَإِنَّهَا قَوَّامَةٌ صَوَّامَةٌ، وَهِيَ مِنْ أَزْوَاجِكَ فِي الْجَنَّةِ. ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقُشَيْرِيُّ وَالثَّعْلَبِيُّ. زَادَ الْقُشَيْرِيُّ: وَنَزَلَ فِي خُرُوجِهَا إِلَى أَهْلِهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا تُخْرِجُوهُنَّ، مِنْ بُيُوتِهِنَّ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ غَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَفْصَةَ، لَمَّا أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَأَظْهَرَتْهُ لِعَائِشَةَ فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ يُرَاجِعَهَا ثُمَّ يُمْسِكَهَا حَتَّى تَطْهُرَ وَتَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا حِينَ تَطْهُرُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُجَامِعَهَا. فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ رِجَالًا فَعَلُوا مِثْلَ مَا فَعَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَعَمْرُو بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ فِيهِمْ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهَذَا كُلُّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَمْثَلُ. وَالْأَصَحُّ فِيهِ أَنَّهُ بَيَانٌ لِشَرْعٍ مُبْتَدَأٍ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ أُمَّتُهُ. وَغَايَرَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ مِنْ حَاضِرٍ وَغَائِبٍ وَذَلِكَ لُغَةٌ فَصِيحَةٌ، كَمَا قَالَ: حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ «٢» [يونس: ٢٢]. تَقْدِيرُهُ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لَهُمْ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ. وَهَذَا هُوَ قَوْلُهُمْ،: إِنَّ الْخِطَابَ لَهُ وَحْدَهُ وَالْمَعْنَى لَهُ وَلِلْمُؤْمِنِينَ. وإذا أراد الله بالخطاب المؤمنين لا طفه بِقَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ. فَإِذَا كَانَ الْخِطَابُ بِاللَّفْظِ وَالْمَعْنَى جَمِيعًا لَهُ قَالَ: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ.
(٢). راجع ج ٨ ص ٣٢٤.