جَزَاءً لِلشَّرْطِ، لِأَنَّ هَذَا الصَّغْوَ كَانَ سَابِقًا، فَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ لِلْعِلْمِ بِهِ. أَيْ إِنْ تَتُوبَا كَانَ خَيْرًا لَكُمَا، إِذْ قَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ) أَيْ تَتَظَاهَرَا وَتَتَعَاوَنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَعْصِيَةِ وَالْإِيذَاءِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَكَثْتُ سَنَةً وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ آيَةٍ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَسْأَلَهُ هَيْبَةً لَهُ، حَتَّى خَرَجَ حَاجًّا فَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا رَجَعَ فَكُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَدَلَ إِلَى الْأَرَاكِ «١» لِحَاجَةٍ لَهُ، فَوَقَفْتُ حَتَّى فَرَغَ، ثُمَّ سِرْتُ مَعَهُ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَنِ اللَّتَانِ تَظَاهَرَتَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أَزْوَاجِهِ؟ فَقَالَ: تِلْكَ حَفْصَةُ وَعَائِشَةُ. قَالَ فَقُلْتُ له: والله إن كنت لأريد أن سألك عَنْ هَذَا مُنْذُ سَنَةٍ فَمَا أَسْتَطِيعُ هَيْبَةً لَكَ. قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ، مَا ظَنَنْتَ أَنَّ عِنْدِي مِنْ عِلْمٍ فَسَلْنِي عَنْهُ، فَإِنْ كُنْتُ أَعْلَمُهُ أَخْبَرْتُكَ... وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. (فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ) أَيْ وَلِيُّهُ وَنَاصِرُهُ، فَلَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ التظاهر منهما. (وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) قَالَ عِكْرِمَةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، لِأَنَّهُمَا أَبَوَا عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ، وَقَدْ كَانَا عَوْنًا لَهُ عَلَيْهِمَا. وَقِيلَ: صَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقِيلَ: خِيَارُ الْمُؤْمِنِينَ. وَصَالِحٌ: اسْمُ جِنْسٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْعَصْرِ. إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر: ٢]، قَالَهُ الطَّبَرِيُّ. وَقِيلَ: صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ هُمُ الْأَنْبِيَاءُ، قَالَهُ الْعَلَاءُ بْنُ زِيَادَةَ وَقَتَادَةُ وَسُفْيَانُ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هُمُ الْمَلَائِكَةُ. السُّدِّيُّ: هُمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقِيلَ: صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ لَفْظُ الْوَاحِدِ وَإِنَّمَا هُوَ صَالِحُو الْمُؤْمِنِينَ: فَأَضَافَ الصَّالِحِينَ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَكُتِبَ بِغَيْرِ وَاوٍ عَلَى اللَّفْظِ لِأَنَّ لَفْظَ الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ وَاحِدٌ فِيهِ. كَمَا جَاءَتْ أَشْيَاءُ فِي الْمُصْحَفِ مُتَنَوِّعٌ فِيهَا حُكْمُ اللَّفْظِ دُونَ وَضْعِ الْخَطِّ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا اعْتَزَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ قَالَ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا النَّاسُ يَنْكُتُونَ «٢» بِالْحَصَى وَيَقُولُونَ: طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ «٣» وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ- وَذَلِكَ قَبْلَ أن يؤمرن بالحجاب- فقال عمر:

(١). الأراك: الشجر، واحدته أراكة.
(٢). أي يضربون به الأرض، كفعل المهموم المفكر.
(٣). ما بين المربعين ساقط من أ، ح، س.


الصفحة التالية
Icon