الْخَاسِئُ الَّذِي لَمْ يَرَ مَا يَهْوَى. (وَهُوَ حَسِيرٌ) أَيْ قَدْ بَلَغَ الْغَايَةَ فِي الْإِعْيَاءِ. فَهُوَ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، مِنَ الْحُسُورِ الَّذِي هُوَ الْإِعْيَاءُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا مِنْ حَسَرَهُ بُعْدُ الشَّيْءِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

مَنْ مَدَّ طَرْفًا إِلَى مَا فَوْقَ غَايَتِهِ ارْتَدَّ خَسْآنَ مِنْهُ الطَّرْفُ قَدْ حَسِرَا
يُقَالُ: قَدْ حَسَرَ بَصَرُهُ يَحْسِرُ حُسُورًا، أَيْ كَلَّ وَانْقَطَعَ نَظَرُهُ مِنْ طُولِ مَدًى وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَهُوَ حَسِيرٌ وَمَحْسُورٌ أَيْضًا. قَالَ:
نَظَرْتُ إِلَيْهَا بِالْمُحَصَّبِ مِنْ مِنًى فَعَادَ إِلَيَّ الطَّرْفُ وَهُوَ حَسِيرُ
وَقَالَ آخَرُ يصف ناقة:
فَشَطْرَهَا نَظَرُ الْعَيْنَيْنِ مَحْسُورُ «١»
نُصِبَ" شَطْرَهَا" عَلَى الظَّرْفِ، أَيْ نَحْوَهَا. وَقَالَ آخَرُ:
وَالْخَيْلُ شُعْثٌ مَا تَزَالُ جِيَادُهَا حَسْرَى تُغَادِرُ بِالطَّرِيقِ سِخَالَهَا
وَقِيلَ: إِنَّهُ النَّادِمُ. وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
مَا أنا اليوم على شي خلا يا بنة القين تولى بحسر
المراد ب كَرَّتَيْنِ ها هنا التَّكْثِيرُ. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ: يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى كَثْرَةِ النظر.
[سورة الملك (٦٧): الآيات ٥ الى ٦]
وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ (٥) وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٦)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) جَمْعُ مِصْبَاحٍ وَهُوَ السِّرَاجُ. وَتُسَمَّى الْكَوَاكِبُ مَصَابِيحَ لِإِضَاءَتِهَا. (وَجَعَلْناها رُجُوماً) أي جعلنا شهبها، فحذف المضاف.
(١). هذا عجز بيت لقيس بن خويلد الهذلي. وصدره:
إن العسير بها داه مخامرها
والعسير: الناقة التي لم ترض (لم تذلل).


الصفحة التالية
Icon