قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا) أَيْ عَلَى أَذَى قَوْمِكَ. وَالصَّبْرُ الْجَمِيلُ: هُوَ الَّذِي لَا جَزَعَ فِيهِ وَلَا شَكْوَى لِغَيْرِ اللَّهِ. وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْمُصِيبَةِ فِي الْقَوْمِ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ. وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ. (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً) يُرِيدُ أَهْلَ مَكَّةَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ بِالنَّارِ بَعِيدًا، أَيْ غَيْرَ كَائِنٍ. (وَنَراهُ قَرِيباً) لِأَنَّ مَا هُوَ آتٍ فَهُوَ قَرِيبٌ. وَقَالَ الْأَعْمَشُ: يَرَوْنَ الْبَعْثَ بَعِيدًا لِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ كَأَنَّهُمْ يَسْتَبْعِدُونَهُ عَلَى جِهَةِ الْإِحَالَةِ. كَمَا تَقُولُ لِمَنْ تُنَاظِرُهُ: هَذَا بَعِيدٌ لَا يَكُونُ! وَقِيلَ: أَيْ يَرَوْنَ هَذَا الْيَوْمَ بَعِيدًا وَنَراهُ أَيْ نَعْلَمُهُ، لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ إِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَوْجُودِ. وَهُوَ كَقَوْلِكَ: الشَّافِعِيُّ يَرَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَذَا وكذا.
[سورة المعارج (٧٠): الآيات ٨ الى ١٠]
يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ (٨) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ (٩) وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (١٠)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ) الْعَامِلُ فِي يَوْمٍ واقِعٍ، تَقْدِيرُهُ يَقَعُ بِهِمُ الْعَذَابُ يَوْمَ. وَقِيلَ: نَراهُ أَوْ يُبَصَّرُونَهُمْ أَوْ يَكُونُ بَدَلًا مِنْ قَرِيبٍ. وَالْمُهْلُ: دُرْدِيُّ الزَّيْتِ وَعَكَرُهُ، فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا أُذِيبَ مِنَ الرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ وَالْفِضَّةِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَالْمُهْلِ كَقَيْحٍ مِنْ دَمٍ وَصَدِيدٍ. وَقَدْ مَضَى فِي سُورَةِ" الدُّخَانِ"، وَ" الْكَهْفِ" الْقَوْلُ «١» فِيهِ. (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ) أَيْ كَالصُّوفِ الْمَصْبُوغِ. وَلَا يُقَالُ لِلصُّوفِ عِهْنٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَصْبُوغًا. وَقَالَ الْحَسَنُ: وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ وَهُوَ الصُّوفُ الْأَحْمَرُ، وَهُوَ أَضْعَفُ الصُّوفِ. وَمِنْهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ:

كَأَنَّ فُتَاتَ الْعِهْنِ فِي كُلِّ مَنْزِلٍ نَزَلْنَ بِهِ حَبُّ الْفَنَا لم يحطم «٢»
(١). راجع ج ١٠ ص ٣٩٤ وج ١٦ ص (١٤٩)
(٢). الفنا (مقصور والواحدة فناة): عنب الثعلب. وقيل: هو شجر دو حب أحمر ما لم يكسر يتخذ منه قرار يط يوزن بها، كل حبة قيراط. وقيل: يتخذ منه القلائد. وقوله:" لم يحطم" أراد أن حب الفنا صحيح، لأنه إذا كسر ظهر له لون غير الحمرة.


الصفحة التالية
Icon