بِالَّتِي أَخْرَجُوا مِنْهَا الْمُسْلِمِينَ. وَقِيلَ: لِيَسُدُّوا بِهَا أَزِقَّتَهُمْ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ بِأَيْدِيهِمْ فِي إِخْرَابِ دَوَاخِلِهَا وما فيها لئلا يأخذه المسلمون. وب أَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فِي إِخْرَابِ «١» ظَاهِرِهَا لِيَصِلُوا بِذَلِكَ إِلَيْهِمْ. قَالَ عِكْرِمَةُ: كَانَتْ مَنَازِلُهُمْ مُزَخْرَفَةً فَحَسَدُوا الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَسْكُنُوهَا" فَخَرَّبُوهَا مِنْ دَاخِلٍ وَخَرَّبَهَا الْمُسْلِمُونَ مِنْ خَارِجٍ. وَقِيلَ: يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِنَقْضِ الْمُوَاعَدَةِ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ بِالْمُقَاتَلَةِ، قَالَهُ الزُّهْرِيُّ أَيْضًا. وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ بِأَيْدِيهِمْ فِي تركهم لها. وب أَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فِي إِجْلَائِهِمْ عَنْهَا. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ التَّنَاوُلُ لِلْإِفْسَادِ إِذَا كَانَ بِالْيَدِ كَانَ حَقِيقَةً، وَإِذَا كَانَ بِنَقْضِ الْعَهْدِ كَانَ مَجَازًا، إِلَّا أَنَّ قَوْلَ الزُّهْرِيِّ فِي الْمَجَازِ أَمْثَلُ مِنْ قَوْلِ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ. قَوْلُهُ تعالى: (فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) أَيِ اتَّعِظُوا يَا أَصْحَابَ الْعُقُولِ وَالْأَلْبَابِ. وَقِيلَ: يَا مَنْ عَايَنَ ذَلِكَ بِبَصَرِهِ، فَهُوَ جَمْعٌ لِلْبَصَرِ. وَمِنْ جُمْلَةِ الِاعْتِبَارِ هُنَا أَنَّهُمُ اعْتَصَمُوا بِالْحُصُونِ مِنَ اللَّهِ فَأَنْزَلَهُمُ اللَّهُ مِنْهَا. وَمِنْ وُجُوهِهِ: أَنَّهُ سَلَّطَ عَلَيْهِمْ مَنْ كَانَ يَنْصُرُهُمْ. وَمِنْ وُجُوهِهِ أَيْضًا: أَنَّهُمْ هَدَمُوا أَمْوَالَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ. وَمَنْ لَمْ يَعْتَبِرْ بِغَيْرِهِ اعْتُبِرَ فِي نَفْسِهِ. وَفِي الْأَمْثَالِ الصَّحِيحَةِ:" السَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ".
[سورة الحشر (٥٩): الآيات ٣ الى ٤]
وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ (٣) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤)
قوله تعالى: (وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ) أَيْ لَوْلَا أَنَّهُ قَضَى أَنَّهُ سَيُجْلِيهِمْ عَنْ دَارِهِمْ وَأَنَّهُمْ يَبْقَوْنَ مُدَّةً فَيُؤْمِنُ بَعْضُهُمْ وَيُولَدُ لَهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ. (لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا) أَيْ بِالْقَتْلِ وَالسَّبْيِ كَمَا فَعَلَ بِبَنِي قُرَيْظَةَ. وَالْجَلَاءُ مُفَارَقَةُ الْوَطَنِ يُقَالُ: جَلَا بِنَفْسِهِ جَلَاءً، وَأَجْلَاهُ غَيْرُهُ إِجْلَاءً. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجَلَاءِ وَالْإِخْرَاجِ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُمَا فِي الْإِبْعَادِ وَاحِدًا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا- أَنَّ الْجَلَاءَ مَا كَانَ مَعَ الْأَهْلِ وَالْوَلَدِ، وَالْإِخْرَاجُ قد يكون مع بقاء