(النَّوْحُ). وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ لما نزلت هذه الآية: يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً- إِلَى قَوْلِهِ- وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ قَالَ: (كَانَ مِنْهُ النِّيَاحَةُ) قَالَتْ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِلَّا آلَ فُلَانٍ فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَسْعَدُونِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَا بُدَّ لِي مِنْ أَنْ أُسْعِدَهُمْ. فَقَالَ، رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِلَّا آلَ فُلَانٍ). وَعَنْهَا قَالَتْ: أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْبَيْعَةِ أَلَّا نَنُوحَ، فَمَا وَفَتْ مِنَّا امْرَأَةٌ إِلَّا خَمْسٌ: أُمُّ سُلَيْمٍ، وَأُمُّ الْعَلَاءِ، وَابْنَةُ أَبِي سَبْرَةَ امْرَأَةُ مُعَاذٍ أَوِ ابْنَةُ أَبِي سَبْرَةَ، وَامْرَأَةُ مُعَاذٍ. وَقِيلَ: إِنَّ الْمَعْرُوفَ ها هنا الطَّاعَةُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، قَالَهُ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ. وَقَالَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ: لَا يَعْصِينَكَ فِي كُلِّ أَمْرِ فِيهِ رُشْدُهُنَّ الْكَلْبِيُّ: هُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ مَعْرُوفٍ أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ بِهِ. فَرُوِيَ أَنَّ هِنْدًا قالت عند ذلك: ما جلسنا في مجلسا هذا وفي أنفسا أن نعصيك في شي. الثَّالِثَةُ: ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي صِفَةِ الْبَيْعَةِ خِصَالًا شَتَّى، صَرَّحَ فِيهِنَّ بِأَرْكَانِ النَّهْيِ فِي الدِّينِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَرْكَانَ الْأَمْرِ. وَهِيَ سِتَّةٌ أَيْضًا: الشَّهَادَةُ، وَالصَّلَاةُ، وَالزَّكَاةُ، وَالصِّيَامُ، وَالْحَجُّ، وَالِاغْتِسَالُ مِنَ الْجَنَابَةِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّهْيَ دَائِمٌ فِي كُلِّ الْأَزْمَانِ وَكُلِّ الْأَحْوَالِ، فَكَانَ التَّنْبِيهُ عَلَى اشْتِرَاطِ الدَّائِمِ آكَدَ. وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْمَنَاهِيَ كَانَ فِي النِّسَاءِ كَثِيرٌ مَنْ يَرْتَكِبُهَا وَلَا يَحْجِزُهُنَّ عَنْهَا شَرَفُ النَّسَبِ، فَخُصَّتْ بِالذِّكْرِ لِهَذَا. وَنَحْوٌ مِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِوَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ: (وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ) «١» فَنَبَّهَهُمْ عَلَى تَرْكِ الْمَعْصِيَةِ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ دُونَ سَائِرِ الْمَعَاصِي، لِأَنَّهَا كَانَتْ شَهْوَتَهُمْ وَعَادَتَهُمْ، وَإِذَا تَرَكَ الْمَرْءُ شَهْوَتَهُ مِنَ الْمَعَاصِي هَانَ عَلَيْهِ تَرْكُ سَائِرِهَا مِمَّا لَا شَهْوَةَ لَهُ فِيهَا.