وَكَذَلِكَ الْعِذْرَةُ وَهِيَ مِثْلُ الرِّكْبَةِ وَالْجِلْسَةِ، قَالَ النَّابِغَةُ:
هَا إِنَّ تَا عِذْرَةٌ إِلَّا تَكُنْ نَفَعَتْ | فَإِنَّ صَاحِبَهَا قَدْ تَاهَ فِي الْبَلَدِ «١» |
: فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى قَبُولِ إِقْرَارِ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ، لِأَنَّهَا بِشَهَادَةٍ مِنْهُ عَلَيْهَا، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ [النور: ٢٤] وَلَا خِلَافَ فِيهِ، لِأَنَّهُ إِخْبَارٌ عَلَى وَجْهٍ تَنْتِفِي التُّهْمَةُ عَنْهُ، لِأَنَّ الْعَاقِلَ لَا يَكْذِبُ على نفسه، وهي المسألة: وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ «٢» [آل عمران: ٨١] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ «٣» سَيِّئاً [التوبة: ١٠٢] وَهُوَ فِي الْآثَارِ كَثِيرٌ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا). فَأَمَّا إِقْرَارُ الْغَيْرِ عَلَى الْغَيْرِ بِوَارِثٍ أَوْ دَيْنٍ فَقَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يَهْلِكُ وَلَهُ بَنُونَ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمْ: إِنَّ أَبِي قَدْ أَقَرَّ أَنَّ فُلَانًا ابْنُهُ، أَنَّ ذَلِكَ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ إِنْسَانٍ وَاحِدٍ، وَلَا يَجُوزُ إِقْرَارُ الَّذِي أَقَرَّ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ فِي حِصَّتِهِ مِنْ مَالِ أَبِيهِ، يُعْطَى الَّذِي شُهِدَ لَهُ قَدْرَ الدَّيْنِ «٤» الَّذِي يُصِيبُهُ مِنَ الْمَالِ الَّذِي فِي يَدِهِ. قَالَ مَالِكٌ: وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ يَهْلِكَ الرَّجُلُ وَيَتْرُكَ ابْنَيْنِ وَيَتْرُكَ سِتَّمِائَةِ دِينَارٍ، ثُمَّ يَشْهَدُ أَحَدُهُمَا بِأَنَّ أَبَاهُ الْهَالِكَ أَقَرَّ أَنَّ فُلَانًا ابْنُهُ، فَيَكُونُ عَلَى الَّذِي شَهِدَ لِلَّذِي اسْتَحَقَّ مِائَةُ دِينَارٍ، وَذَلِكَ نِصْفُ مِيرَاثِ الْمُسْتَلْحَقِ لَوْ لَحِقَ، وَإِنْ أَقَرَّ لَهُ الْآخَرُ أَخَذَ الْمِائَةَ الْأُخْرَى فَاسْتَكْمَلَ حَقَّهُ وَثَبَتَ نَسَبُهُ. وَهُوَ أَيْضًا بِمَنْزِلَةِ الْمَرْأَةِ تُقِرُّ بالدين على أبيها أو على زوجها
(١). تقدم البيت برواية: ها إن ذى- مشارك الكمد. وهما روايتان.
(٢). راجع ج ٤ ص ١٢٤.
(٣). راجع ج ٨ ص ٢٤٠.
(٤). كلمة (الدين) ساقطة من ز، ط، ل، المتطوع.
(٢). راجع ج ٤ ص ١٢٤.
(٣). راجع ج ٨ ص ٢٤٠.
(٤). كلمة (الدين) ساقطة من ز، ط، ل، المتطوع.